ننشرت صحيفة الجمهورية مقالا للصحافي جوني منير جاء فيه: "غرائب عدة تواكب الانتخابات النيابية المقبلة، يبقى أبرزها على الاطلاق التشكيك الدائم بحصولها منذ اكثر من سنة وحتى اليوم. وعلى الرغم من انه لم يعد امام إقفال ابواب الترشيح سوى ايام قليلة، تطرح يومياً سيناريوهات عدة حول احتمال تأجيل الاستحقاق النيابي المنتظر.
آخر هذه السيناريوهات يربط بين الحرب الدائرة في اوكرانيا وتداعياتها المحتملة على المنطقة وانشغال الاوروبيين ومعهم الاميركيين بتطوراتها، ما سيؤدي الى التخفيف من الضغط الدولي القائم لحصول الانتخابات وهو ما سيسمح تلقائياً بتأجيلها نظراً لعدم وجود رغبة ضمنية لمعظم الاطراف اللبنانية بإجرائها في هذه الظروف على الاقل. ولكن هذه النظرة السلبية لا تبدو واقعية خصوصاً ان اوروبا ومن خلفها واشنطن تفصل فصلاً كاملاً بين الحرب الدائرة في اوكرانيا وبين ملفات الشرق الاوسط ومن ضمنها لبنان. بدليل انّ اشتعال الحرب في اوكرانيا وعلى رغم من ضراوتها، فهي تبدو وكأنها محصورة ضمن ضوابط معينة، ما يعني انها لن تخرج عن السيطرة رغم كل وجوه النار والدمار والدماء.
كذلك، فإنّ النزاع القائم لم ينعكس بالمثل على ملف المفاوضات حول النووي الايراني والتي تشكل روسيا احدى الدول الاعضاء في الفريق المفاوض. وبخلاف بعض المخاوف التي صدرت حول احتمال ان تدفع حرب اوكرانيا الى «تطيير» الاتفاق النووي، فإن اوساطاً ديبلوماسية معنية اشارت الى ان الاتفاق بات على قاب قوسين من الولادة ولو ان الجانب الايراني سعى خلال الجولة الاخيرة الى المماطلة بهدف تحصيل مزيد من المكاسب في ظل الظروف الحالية. وهذا ما يعني ان شروط اللعبة في لبنان لم تتبدل ايضا، وان الوفود الاجنبية التي تزور بيروت تستمر في التذكير بإلحاح بوجوب حصول هذه الانتخابات في مواعيدها الدستورية. وقبل اوكرانيا كانت المخاوف الامنية هي السائدة وبأنها ستؤدي الى نسف العملية الانتخابية، وتَعزّزَ هذا الانطباع لدى البعض إثر اعلان وزير الداخلية عن احباط مخطط لتنظيم «داعش» لتنفيذ ثلاث عمليات انتحارية متزامنة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
في الواقع، إن العملية كانت في طور الاعداد، أو بتعبير أدق في مرحلة «النيات» اكثر منه في مرحلة التنفيذ. وان الكشف عنها هو انجاز امني، لكن التوقيت قد يكون له علاقة بالنزاع الداخلي اللبناني، وتحديدا بدعوة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان الى التحقيق. فالاجهزة الامنية وعلى رغم من الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها افرادها، فإنها ما تزال على جهوزيتها العالية في مراقبة التنظيمات الارهابية. ففي مخيم عين الحلوة حيث توجد مكاتب قيادية سرية لتنظيمي «القاعدة» و»داعش»، اضافة الى مجموعات ارهابية اخرى، تُحكم الاجهزة الامنية رقابتها الدائمة اضافة الى الطوق الامني الذي يفرضه الجيش اللبناني حول المخيم. حتى الآن أثبتت الملاحقات الامنية عدم وجود مخطط كبير خارجي لتفجير الساحة اللبنانية على غرار ما حصل عام 2015 وانّ المطلوب هو إغراء الشباب اللبناني لأخذه الى القتال في العراق وسوريا، لا إشعال الساحة اللبنانية وإغراقها بالاضطرابات الامنية والتفجيرات المتلاحقة. ونجح تنظيم «داعش» حتى الآن في الايقاع بنحو 50 شاباً من الشمال ذهبوا للمشاركة في القتال في العراق. لكن مخابرات الجيش اللبناني نجحت بدورها في احباط 20 حالة اخرى، حيث جرى التحقيق مع افرادها ومن ثم إعادتهم الى ذويهم بعد اتخاذ الاجراءات الامنية المطلوبة، وابقائهم تحت الرقابة الدائمة. وتبيّن ان التنظيم الارهابي يتولى اغراء الشبان من خلال ارسال مبلغ 2500 دولار اميركي لكل شاب لكي يتولى تدبير انتقاله عبر الحدود والوصول الى معسكرات «داعش».
من جهة المبلغ فإنه مُغرٍ، ومن جهة اخرى فإن النزاع السياسي المحتدم في لبنان والذي يأخذ طابعاً مذهبياً وطائفياً في بعض الاحيان يدفع بعض الشبان الى السقوط في التجربة. لكن العامل المساعد أن البيئة الشمالية باتت بكاملها مناهضة لأي «زَحطة» من هذا النوع. فالعائلات الشمالية، اضافة الى أئمة المساجد، يعملون على توعية الشبان على رغم من الاوضاع المعيشية الصعبة الموجودة. وبالتالي، فإن الساحة اللبنانية ليست امام خطر اشعالها مجددا، لكن هذا لا يمنع امكانية حصول عملية قد يقوم بها «ذئب منفرد» أو «انغماسي» بقرار ومبادرة منه. لكن وحتى في حال حصول حادثة من هذا النوع، فلن تؤثر بالتأكيد على القرار بإجراء العملية الانتخابية. لكن ثمة مسألة اخرى لا بد من أخذها في الحسبان وتتعلق باحتمال تسجيل تراجع كبير ومفاجئ ودفعة واحدة للعملة اللبنانية.
ذلك انّ تطور سعر صرف الدولار الاميركي صعوداً او نزولاً ليس مفهوماً وهو لا يتبع اي منطق علمي واضح، ما يعني انّ احتمال حصول ارتفاع كبير ومفاجئ لسعر العملة الخضراء مسألة واردة في اي لحظة. وهو ما قد يدفع مجدداً بالناس الى الشارع والى فوضى قد لا يتمكن احد من ضبطها. وهذا السيناريو موجود لدى السلطات اللبنانية الرسمية. البعض يضع هذا الاحتمال في خانة النزاع المفتوح بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهو ما كاد ان يؤدي الى توقيف سلامة واعتقاله بناء على مذكرة المدعي العام لجبل لبنان القاضي غادة عون.
وفيما اعتبر خصوم رئيس الجمهورية أن هذه الخطوة تأتي في اطار ترتيب الحملة الانتخابية لـ»التيار الوطني الحر» ورفعها كشعار انتخابي، يسعى عون الى تأمين الاجواء الملائمة لتعيين بديل من سلامة، لكن الاسماء التي طرحت لم تلقَ الاجماع المطلوب، على رغم من التركيز حالياً على اسم الوزير السابق جهاد أزعور.
في هذا الوقت يحرص سلامة على التحوّط في تنقلاته، فإما ينام احيانا في مقر مصرف لبنان المركزي، او يدرس جيداً الطرق التي يسلكها.
في اختصار لا تبدو هنالك أي عوائق فعلية وحقيقية امام إتمام العملية الانتخابية، وقد يكون الهدف من الترويج دائماً لاحتمال تأجيل الانتخابات إحباط عزيمة الذين يفكرون بالترشح وبالتالي خفض المنافسة، على ان يتبع ذلك خفض نسبة المقترعين وهو ما سيرفع من حظوظ لوائح الطبقة السياسية فالمشاركة المرتفعة ستقلّص من حظوظ فوز مرشحي السلطة والعكس صحيح. وهذا ما دفع بديبلوماسي بارز الى القول امام زواره انّ الامور لا تبشّر بتغييرات كبيرة في المجلس النيابي المقبل. لكن المشكلة الفعلية، والتي لم ينتبه اليها احد، هي أنه في حال المشاركة الانتخابية الضعيفة، خصوصا على الساحتين السنية والمسيحية، ستؤدي الى وصول نواب لا يمثلون فعلياً اكثر من عشرة في المئة من المسيحيين والسنة، اي مجلس نيابي بجزء كبير منه فاقد شرعية التمثيل الفعلية.
في انتخابات العام 2018 كانت نسبة تمثيل هؤلاء تقارب العشرين في المئة وهذا ما ساهم لاحقاً في انفجار الشارع في 17 تشرين. ذلك انّ الناس ستجد نفسها غير معنية وغير ممثلة في السلطة. واليوم وفي حال ذهبت الامور في هذا الاتجاه، فهل سيتمكن مجلس نيابي لا يحوز على اكثر من عشرة في المئة من التمثيل الشعبي مواكبة الناس واخذها في مشوار الاصلاح الاقتصادي الصعب والاصلاح السياسي المعقد؟ على الأرجح لا. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية والعائق الفعلي في المرحلة المقبلة، خصوصا ان رجال هذه الطبقة السياسية لم يهتموا ابداً ولن يهتموا سوى بمصالحهم الخاصة الضيقة لا المصلحة العامة، والتاريخ خير شاهد".
الجمهورية