سمحت صدفة فلكية للعلماء، بالنظر عبر الزمن إلى مليارات من السنين إلى الوراء، ورؤية نجم تشكل قبل 12 مليارا و900 مليون عام، رصده تلسكوب "هابل" الشهير، عبر تموجات غير عادية، ظهرت من تشويه نسيج "الزمكان" الفضائي، لذلك سمّوه "نجمة الصباح" أو Earendel بإنجليزية القرون الوسطى، لأنه أشرق بالضوء باكرا، في المليار سنة الأولى بعد الانفجار العظيم، أي حين كان الكون طفلا يحبو، بالكاد يمثل 7% من عمره البالغ حاليا 13 مليارا و800 مليون عام.
كتلة النجم الأبعد على الإطلاق حتى الآن، تبلغ 50 ضعفا كتلة الشمس، لكنه أشد سطوعا منها بملايين المرات، وفقا لما قال عنه العالم الفلكي Brian Welch الباحث من جامعة Johns Hopkins University في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأميركية، والمؤلف الرئيسي لورقة بحثية نشرتها أمس الأربعاء مجلة Nature البريطانية العلمية المرموقة، وألمت "العربية.نت" بما فيها من معلومات مما بثته الوكالات، ومن اطلاعها عليها في وسائل إعلام غربية عدة، منها صحيفة "التايمز" البريطانية اليوم الخميس.
سابقا، كان Icarus المعروف في "كوكبة الأسد" بأنه عملاق أزرق، أبعد نجم رأته عيون البشر بالتلسكوبات، فهو بعيد 9 مليارات سنة ضوئية عن الأرض، وتشكل عندما كان عمر الكون 4 مليارات عام تقريبا، أي 30% من عمره الحالي. أما "إيرنديل" الذي تم اكتشافه حديثا، فورد عنه في بيان من NASA الأميركية أنه "واحد يخص كتب الأرقام القياسية" ببعده البالغ 28 مليارا من السنين الضوئية.
وانبهر الدكتور ويلش بالنجم على ما يبدو، وقال: "لم نصدق ذلك (البعد) تقريبا، فقد جعل الأمر يبدو كما لو كنا نقرأ كتابا مثيرا للاهتمام، لكننا بدأنا بالفصل الثاني، والآن لدينا فرصة لنرى كيف بدأ كل شيء" في إشارة إلى نشأة الكون وكيف ظهر إلى الوجود بالانفجار العظيم.
"عدسة الجاذبية"
وبرغم كتلته غير العادية وتألقه، إلا أن اكتشاف Earendel لم يكن ممكنا لولا صدفة جعلت موقعه قريبا من تجمع عنقودي للمجرات، يسمونه WHL0137-08 وضخم جدا، إلى درجة أن كتلته تشوه نسيج الفضاء بجاذبيتها وتحنيه، ما ينشأ عنه عدسة مكبرة طبيعية قوية تضخم الضوء من الأجسام الموجودة خلفها، في ظاهرة معروفة باسم "عدسة الجاذبية" وأدت إلى تضخيم سطوع النجم ألف مرة "أي كتأثير تموجات الماء على سطح حمام سباحة، حيث تعمل كعدسات مكبرة لإنشاء أنماط من الضوء الساطع في قاع حوض السباحة في يوم مشمس" بحسب ما قال الفلكي ويلش.
كما قال أيضا: "عادةً ما تبدو المجرات بأكملها عند المسافات البعيدة وكأنها لطخات صغيرة، حيث يمتزج ضوء ملايين النجوم فيها معا، ويعمل كالعدسة على تضخيم النجم المتواجد خلفها" لذلك يظهر للتلسكوب، وهو ما سيبني تلسكوب "جيمس ويب" المقرر تشغيله في يونيو المقبل على نتائجه، بحسب ما توصلت إليه الدراسة التي شارك بتأليفها فلكي آخر، هو الدكتور Dan Coe من "معهد علوم تلسكوب الفضاء" المعروف في بالتيمور بأحرف STScI اختصارا، والذي يجري عمليات Hubble العلمية، فيما يدير التلسكوب مركز Goddard Space Flight Center التابع لوكالة "ناسا" في مدينة Greenbelt بولاية ماريلاند.
كذلك سيتمكن تلسكوب James Webb من مداره السالك فيه على ارتفاع مليون و600 ألف كيلومتر عن الأرض، وبما فيه من تقنيات جديدة، من القيام بملاحظات عن Earendel لا يتمكن "هابل" الذي سيتقاعد هذا العام بعد 32 سنة خدمة، من القيام بها، منها قياس سطوع النجم ودرجة حرارته وتكوينه.
العربية