قوى التغيير تصارع تنّيناً بثلاثة رؤوس

ما بعد الانتخابات النيابية، وعلى وقع أكبر الأزمات الاقتصادية، يواجه اللبنانيون تنينًا من رؤوس ثلاثة: الأول، السلاح وقدرته على فرض وقائع سياسية واقتصادية داخلية وخارجية. الثاني، صوغ القرار والسيطرة على سياسة الدولة وآلياتها بفعل النظام القائم على التوازن. الثالث، الفساد والسياسة الغنائمية التي تقود إلى التدهور المستمر، مهددًا أموال الناس، وها هو يهدد أملاك الدولة وأصولها. لذلك لا يمكن اختزال المواجهة السياسية في رأس واحد.

تهديد وانفتاح للشرذمة

على الرغم من نتائج الانتخابات الجيدة، هناك مخاوف من المسار الذي تسلكه الأمور. تعبّر النتائج عن تغيير كبير في مزاج الناس وفي الواقع السياسي والشعبي. وهنا ينتظر لبنان عملًا على خطين: أولًا، تقليل القوى الأساسية من أهمية ما حصل، ومحاولتها الاستمرار في اتباع قواعد للحياة السياسية كما في السابق، وحصر التمثيل والتغيير في وجههما العددي. والهدف من ذلك تخفيف وهج نتيجة الانتخابات، وتعطيل قدرة القوى التغييرية على إحداث منعطف ما في مسار البلاد السياسي. والأكيد أن أفخاخًا كثيرة نصبت لإيقاع القوى التغييرية فيها. ويبدأ ذلك بإبقاء الانقسام السياسي دائرًا على عناوين لا مجال للاتفاق عليها.

ما تنجح به القوى التقليدية هو حصرها الخلافات بالصراعات السياسية غير القابلة للحلّ. وهذا ما ظهر في إطلاق التهديد المبطن على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد والنائب حسن فضل الله. وهو تهديد موجه لقوى المجتمع المدني. وتلا التهديد مسارعة حزب الله إلى الانفتاح على تلك القوى، سواء من خلال إطلالات إعلامية أو زيارات التهدئة. يتوازى ذلك مع محاولات كثيرة لإغراق القوى التغييرية في الصراع على عناوين سياسية أو اقتصادية، لشرذمتها.

قوى التغيير تواجه

في المقابل، تبدو القوى التغييرية قادرة على الالتفاف على تلك المحاولات. وذلك باتباعها نهجًا يقيم الترابط والتكامل بين المسائل والمعضلات في سياق سياسي موحد لا تنفصم عراه. والخطوة الأولى لتحقيق ذلك، تكتل القوى التغييرية في تجمع واحد لتفعيل العمل النيابي، وإسقاط مشاريع أو تمرير مشاريع أخرى.

ومن الضروري خلق آليات تواصل سياسي مع الناس، يؤدي إلى التعبير مباشرة عن تطلعاتهم خارج المجلس النيابي وفي داخله. وثمة قواعد تحكم بالعمل النيابي بالتأكيد، وقد تضطر القوى التغييرية إلى العمل بموجبها، رغم تعرضها للمزايدة عليها. وذلك على غرار محاولات استدراجها إلى مواقف تصعيدية تتعلق بانتخاب رئيس المجلس النيابي، أو مقاربة سلاح حزب الله، أو من خلال المشاريع التي تطرح.

التحدي الأول والأساسي هو استحقاق انتخاب هيئة مكتب المجلس. ويبحث التغييريون في إمكان عدم تمرير الجلسة وفوز الرئيس بالتزكية. وهم يعملون على فرض رؤيتهم بإدخال ديناميكية جديدة مختلفة جذريًا عن ما كان عليه الوضع سابقًا.

كذلك لا يزال لبنان عالقًا في قضايا عدة، أبرزها السيادة الخارجية والداخلية. وهنا مكمن التحدي الأساسي الذي يفرضه حزب الله. ومن أبرز التحديات أيضًا إصلاح المؤسسات بفرض إيقاع جديد في مواجهة آلية المغانم المفروضة، وصولًا إلى موضوع أكثر أهمية: كيفية معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وفي حال ترك الانقسام السياسي القائم على حاله، يستمر لبنان في دوامة الأزمات، وفي تكريس التدهور الاجتماعي وتنامي سياسة الإفقار لسنوات مديدة، فتندثر الطبقة الوسطى.


منير الربيع - المدن

يقرأون الآن