أرخى الحكم الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بظلاله على المواقف الدولية تجاه البلد. يفترض بهذا الحكم أن يؤسس لمرحلة جديدة من التعاطي الدولي مع لبنان بالإضافة إلى بعض المتغيرات على الساحة الداخلية، ليس بالضرورة العودة إلى الإنقسام العمودي ولا إلى الخلافات ذات البعد الطائفي ولا يفترض به أن يؤدي إلى اعتماد سياسة القطع بين القوى والمكونات، ولكنه يستحق الوقوف ملياً أمام المسؤوليات التي تفرض نفسها على مختلف القوى ولا سيما حزب الله في مقاربة أكثر تواضعاً للملفات الداخلية، خصوصاً أن استعراض القوة أو استنباط المواقف السياسية بالفرض او التهديد هو أمر لم يعد يجدي ولا يؤدي إلى تحقيق أي نتائج إيجابية أو مرجوة.
مصادر سياسية علّقت عبر "الأنباء" الالكترونية بالقول: "لا بد للحزب من أن يتخذ موقفاً جريئاً في الإقلاع عن كل الآليات التي كانت تتحكم بمساراته السياسية سواء باللجوء إلى القوة أو التخوين أو الإلغاء، وهي كلها أدت إلى أزمات متتالية سواء بما يتعلق بعمليات الإغتيال الجسدي أو الإغتيال المعنوي والرمزي للحياة السياسية في لبنان وللإقتصاد والمال والمؤسسات والقطاعات الأساسية"، مضيفة "ما يجري يجب أن يضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم في الذهاب إلى تشكيل سريع للحكومة بمقاربة مختلفة عن كل المقاربات السابقة، ووفق آلية جدية للبحث عن اتفاق مع صندوق النقد الدولي واقرار خطة التعافي المالي، وانجاز الاستحقاقات الدستورية. ولا مجال لتغييب ملف ترسيم الحدود وحماية الثروات خاصة أن لبنان يمرّ بأسوأ أزماته المالية وثرواته مهددة، فيما كل معادلات القوة لم تجد نفعاً حتى الآن، والإستعراضات لم تؤد إلى حماية البلاد ومقدراتها".
أمام هذا الحكم، ينتظر لبنان إستحقاقين أساسيين، الأول إجراء استشارات تكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة، إذ تتواصل اللقاءات والإتصالات بين القوى المختلفة، للبحث عن شخصية توافقية لتشكيل الحكومة، تعطي انطباعاً إيجابياً للبنانيين وللمجتمع الدولي، وفي هذا الإطار تشير معلومات "الأنباء" إلى أن الأيام المقبلة ستشهد إجتماعات متتالية لعدد من القوى الحزبية والنيابية للوصول إلى تفاهم.
في هذا الإطار برز التحرك الذي يقوم به السفير السعودي وليد البخاري أولاً باللقاء الذي نظمه لشخصيات ومرجعيات سياسية ودينية من الطائفة السنية بحضور الرئيس فؤاد السنيورة، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بالإضافة إلى لقاءات عقدها البخاري مع عدد من النواب السنّة أيضاً للبحث في موضوع استشارات التكليف.
أما الإستحقاق الثاني فيتعلق بانتظار لبنان لجواب إسرائيل على المقترح اللبناني الذي حمله المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، هنا سيكون لبنان أمام إحتمالين، إما العودة إلى مفاوضات الناقورة، وإما رفض إسرائيل لذلك وإصرارها على الإستمرار في عمليات الإستخراج، وهو قد يوجب على لبنان التحرك باتجاه مجلس الأمن الدولي والمتابعة الديبلوماسية الدقيقة، كي لا يحصل أي تدهور للأوضاع الأمنية والعسكرية.