إذا كان اللبنانيون يعتقدون ان اوضاعهم المأسوية اليوم هي الاسوأ على الاطلاق وانهم يعيشون في قعر جهنم وقد بلغوا لحظة الارتطام المدوّي، فهم غير صائبين، لا بل يخطئون في تقديرهم لمدى السوء الذي ما زال ينتظرهم بعد. الرأي هذا لدبلوماسي غربي يراقب عن كثب ما يجري على ارض لبنان الذي يحب، ويأمل بأن لا تصدق ظنونه، الا انه يستند فيها الى ممارسات السلطة السياسية غير المهتمة بكل ما يصلها من تحذيرات دولية واممية، فتقفز فوقها باحثة عن مكاسب سياسية خاصة واطماع في حكومة او في منصب رئاسي معززة للأسف بنتائج الانتخابات النيابية التي، عوض ان تشكل مناسبة لمحاسبتها بفعل ارتكاباتها بحق لبنان والمواطنين، اعادت انتاجها ومددت للأزمات القاتلة التي يقبع الشعب في ظلها.
الاسوأ، وفق ما يقول الدبلوماسي المشار اليه لـ "المركزية" يتمثل في الخوف الكامن من سيناريو الفراغ مجددا، وما قد يستتبعه من تداعيات في ظل الانهيار والشلل الاداري في مؤسسات الدولة، اذ لم يعد من اجهزة فاعلة سوى العسكرية والامنية، على رغم معاناتها اللامحدودة ومقاومة الظروف البالغة الصعوبة المحيطة بها باللحم الحيّ. وتفيد انها سمعت في بيروت همسا في بعض الصالونات السياسية عن ان الرئيس ميشال عون، وعلى رغم مواقفه المؤكدة انه سيغادر قصر بعبدا في 31 تشرين الاول، قد لا يغادره، إن لم يشكل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة، لان حكومة تصريف الاعمال مشكوك فيها لجهة حجم صلاحياتها، في ظل الفراغ الرئاسي، اضف الى ذلك، ثمة حديث يتداول عن احتمال رفض بعض الوزراء،لا سيما من المحسوبين على فريق التيار الوطني الحر ممارسة اعمالهم الوزارية، بمعنى الاستقالة من حكومة تصريف الاعمال،بحيث تفقد الحكومة هذه الشرعية الوطنية التي يتحدث عنها النائب جبران باسيل، فيبقى الرئيس عون في قصر بعبدا. آنذاك تعمّ البلاد موجة احتجاجات وتظاهرات واضرابات فتنتشر الفوضى وقد يعمد طابور خامس ما ، وما اكثر الطوابير، الى تفجير قنبلة النازحين السوريين الموقوتة، ما يفسح المجال امام النظام السوري للتدخل للجمهم وتأكيد قدرته على ضبط ساحة لبنان بعدما انتزعت ايران الورقة هذه من يده، ليتحكم بها مجددا.
وتبعا لذلك، يعزو الدبلوماسي نفسه، الاستفاقة الرسمية المتأخرة والتأهب الرئاسي والحكومي لمواجهة ملف النازحين والاصرار على اعادتهم تدريجيا الى سوريا بعدما باتت مناطقها آمنة بمجملها، مذكرة بمواقف الرئيس عون في الآونة الاخيرة في هذا الشأن، اذ لا يفوّت مناسبة الا ويثير فيها الملف او يبحثه مع زواره من المسؤولين الاممين والغربيين كما مع الوزراء المعنييين. وقد عرض الموضوع امس مع وزير المهجرين في حكومة تصريف الاعمال عصام شرف الدين الذي قال "مرفوض كليا الا يعود النازحون السوريون الى بلادهم بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة"، كاشفا أن "الدولة السورية تمد يدها للتعاون في هذا الملف"، لافتا الى ان "خطة الدولة اللبنانية تقوم على إعادة 15 الف نازح شهريا". وتحدث عن "اقتراحات تقدم بها لبنان الى المدير الإقليمي لمفوضية اللاجئين للأمم المتحدة اياكي ايتو الذي وعد بمراجعة مرجعيته، على ان يعود بالاجابة عنها خطيا"، كما تحدث عن "خطة لتشكيل لجنة ثلاثية مع الدولة السورية ومفوضية شؤون اللاجئين واخرى رباعية مع كل من تركيا والعراق والأردن لتحقيق هذه العودة".
السيناريو المشار اليه، يختم الدبلوماسي، وضرب الاستقرار في لبنان ان حصل، سيتمدد سريعا نحو سوريا ومنها الى الاردن وربما غيرها من الساحات العربية، والخشية كبيرة آنذاك من ان يتخذ طابعا مذهبيا ، فيحصل الانفجار على مستوى المنطقة برمتها، وقد يكون هذا ما يسعى اليه البعض. فهل يسمح لبنان بانطلاق الشرارة منه وضرب استقراره، آخر الخرزات الصامدة في عموده الفقري، ام يستفيق من يجب من المسؤولين لوقف حمام دم محتمل؟
المركزية