ضاقت باللبنانيين سبل العيش، فما كان من بعض الشبان إلا ان اختاروا الدروب الوعرة في جرود قراهم الحدودية بحثاً عن مصدر للرزق مغمّس بالخطر والمغامرة. رحلة محفوفة بالتعب وللأسف بالدم، بينما تغيب الدولة عن بعض تلك المسالك الجبلية حيث الكلمة لقوى أمر واقع مجهولة، وإن كان الهمس يوحي بأنها معلومة وبالأسماء أحياناً.
هذه الدروب تعمّدت بالدم ليل الجمعة - السبت، بعدما سقط كلٌّ من الشابين طارق زيدان ويحيا علاء الدين ضحيتَي جريمة قتل بشعة في خراج بلدتهما الحدودية في قضاء راشيا، في منطقة تعتبر ضمن الحدود اللبنانية ومن المفترض أن تكون ممسوكة أمنياً.
مرّت 5 أيام على الجريمة التي هزّت بلدة ينطا من دون أن تُكشف خيوط تقود الى مرتكبيها، في وقت كان المطلب الوحيد على لسان والدي الضحيتين هو كشف القتلة أياً كانوا ومعاقبتهم، الأمر الذي أبلغاه بوجع وقهر خلال اتصال مع مسؤول عسكري رفيع يوم التشييع.
إلا أن ثمة ما هو غريب يحدث في هذه البلدة الحدودية، فهذه الجريمة المروّعة لم تكن الأولى، وقد سبقتها قبل أشهر قليلة جريمة قتل ذهب ضحيتها أحد أبناء البلدة في خراج القرية أيضاً، من دون كشف حقيقتها. لتليها بعد أسابيع محاولة قتل استهدفت أحد الشبان أمام منزله الكائن في وسط البلدة، وقد نجا منها بأعجوبة بعد معاناة مع الإصابات الكبيرة التي تعرّض لها.
هذه الجرائم الغامضة المتتالية أرخت بقلق كبير على أهالي البلدة، متخوّفين من تكرار هذه الأحداث اذا ما بقيت جريمة قتل زيدان وعلاء الدين الأخيرة طي الكتمان، فاستسهال القتل والفرار من العقاب يهدد بفصول جديدة من هذه الجرائم، بغض النظر عن ظروفها وأسبابها.
ويضع الأهالي أنفسهم تحت حماية الجيش اللبناني الذي ينتشر على طول الحدود، وقام بنشر فوج الحدود البرية منذ أشهر في تلك المنطقة من ضمن خطة أمنية لضبط الحدود، إلا ان هذه الجرائم المتعاقبة تقتضي اتخاذ اجراءات مختلفة وحازمة، والتي يجب أن تبدأ من إقفال الخطوط الجبلية المستخدمة في التهريب والمعلومة من قبل جميع أهالي المنطقة حقناً لمزيد من الأرواح وحماية لجيل من الشباب افترسته الأزمة الاقتصادية وبات هائماً يبحث عن مستقبله حتى لو اقترن بالموت.
وفي متابعة لهذه القضية وتأكيداً على ضرورة كشف كل ملابسات الجريمة، قام عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور على رأس وفد من بلدة ينطا بزيارة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان كما قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس الاركان اللواء الركن أمين العرم ومدير المخابرات، مطالبين بضرورة الوصول إلى كشف الفاعلين وتوقيفهم.
زفّت ينطا زيدان وعلاء الدين كعريسين ظهر الأحد، بكثير من الغضب والحزن، شيّعتهما بالزغاريد ورشّ الورد والأرز، وفي لحظة الوداع الأخيرة صدح صوت أحد رفاقه قائلا: "طارق وعلاء شهيدين، ولا نقبل أن نصفهما الا بالشهداء".. فمن يسقط على أرض العذاب والقهر هو شهيد حتماً. والدولة وأجهزتها الأمنية والقضاء أمام تحدٍ جديد لإحقاق الحق ومعاقبة القتلة أياً كانوا، فوحدها العدالة تشفي غليل الأهالي المفجوعين.
فهل تأخذ الدولة حقهما هذه المرة أم أنهما سيكونان رقمين جديدين في سجل ضحايا هذه المزرعة التي نعيش فيها؟
موقع mtv