أحاطت التعليقات الإيجابية بلقاء الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بالرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا أمس، فيما أعرب الوسيط الأميركي عن «تفاؤله بالوصول إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة»، بدوره كشف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب عن «تقدّم هائل». أمّا نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب فقد اختصر المشهدية بالقول «لم يَطلب منّا أحد قضم البلوكات وتمديد الأنابيب، ولبنان طالب ببلوكاته كاملة ولم يتغير شيء في موقفه، وهوكستين لم يعرض علينا أبداً أيّ تقاسم للثّروة أو البلوكات أو الارباح مع العدو الإسرائيلي».
لكن التسريبات التي أعقبت اللقاء السداسي في بعبدا، أشارت إلى أنّ العرض الذي حمله هوكستين يقضي بالعودة إلى الخطّ المتعرج مقابل الحصول على كامل حقل قانا، والمقصود بذلك، الانطلاق من إحداثيات الخط 23 والانحراف شمالاً وصولاً إلى خطّ الوسط بين لبنان وقبرص، وبالتالي حصول إسرائيل على مساحة شمال الخط 23 ضمن الرقعة 8، بحجة أنّها بحاجة إليها لتمديد أنبوب غازها نحو أوروبا.
وعليه، لا بدّ من السؤال: لماذا تسعى إسرائيل لقضم جزء من الرقعة 8؟ وهل الأمر مرتبط بتصدير الغاز إلى أوروبا؟
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى مصطلح «حقل قانا» غير علمي، انطلاقاً من قاعدة أن الحقل يُعلن عنه بعد المسح والاستكشاف والحفر والتنقيب والاستخراج، في حين لبنان لم يستطلع ويستكشف ويحفر في قانا. هو عبارة عن مكامن محتملة لكنها لم تخضع بعد للدراسات، ليكون أشبه بالسمك بالبحر.
أكثر من ذلك، فإنّ بعض الخبراء العاملين في هذا الشأن يلفتون إلى أنّ التقديرات الأولية تشير إلى أنّ حقل قانا قد يكون مشابهاً جيولوجياً لحقل كاريش، ما يعني احتمال أن يكون متواضعاً في ثروته النفطية، على عكس المكامن المحتملة في الرقعة 8 التي يُعتقد أنّها مشابهة لحقل تمار بالجيولوجيا والموجودات والأهمية، حيث تفيد بعض التقديرات الأولية بوصول قيمة محتويات هذه الرقعة إلى نحو 8 إلى 12 ألف مليار قدم مكعب أي ما يعادل 8 إلى 12 تريليون قدم مكعب.
ولهذا، يقول المتابعون إنّ الغنى المحتمل للرقعة 8 هو الذي يجلعها موضع اهتمام إسرائيل، في محاولة لإجراء مبادلة بين جزء منها وحقل قانا المتواضع في موجوداته، مشيرين إلى أنّ الحديث عن حاجة إسرائيل لهذه المساحة الإضافية من الرقعة 8 لمدّ أنبوب إلى أوروبا غير مقنع لأنّها تعتمد راهناً على مصر.
في الواقع، فقد باتت منطقة شرق المتوسط محوراً لعاصفة جيوسياسية بين الدول المُطِلة عليه من ثلاث قارات، لا سيما بعد كشوفات الغاز المتتالية في قاعه على مدار العقدين الماضيين. وقد سعت جميع بلدان شرق المتوسط لأن تصبح ممراً أساسياً للطاقة، وبينما كانت القاهرة نظرياً هي الأقل حظاً في جذب مشاريع نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، مقابل حظوظ أكبر لتركيا واليونان الأقرب إلى إسرائيل وأوروبا معاً، إلا أن الاتحاد الأوروبي استقر أخيراً على مصر، وعلى تسييل الغاز بدلاً من نقله بخطوط مُكلِفة.
وأمام فشل إسرائيل في تصدير الغاز بمفردها بسبب عقبات البنية التحتية، انتهت معركة شرق المتوسط بوضع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رهاناتهما على القاهرة. وقد ساهم موقع مصر الجغرافي التفضيلي في الوصول إلى اتفاق ثلاثي (الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر)، مع امتلاكها بنية أساسية جاهزة غير مُكلفة لتسييل الغاز ونقله مُسالاً من دون الحاجة إلى أنابيب، وكذلك وجود خط الغاز القديم الواصل بينها وبين إسرائيل منذ العام 2008 لنقل الغاز الإسرائيلي إليها. أضف إلى ذلك أن محطتَيْ تسييل الغاز المصريَّتين في مدينتَيْ «إدكو» و»دمياط» تطلان على البحر مباشرة، وهو ما يُسهِّل نقل الغاز إلى أوروبا عبر المتوسط.
وتُصدِّر مصر حاليا 500 مليون قدم مُكعب من الغاز الطبيعي يومياً إلى أوروبا، كما أن بنود الاتفاقية الثلاثية غير مُعلنة حتى الآن، ومن ثمَّ فإن وضع مصر شريكاً يقتسم العوائد بنقل الغاز القادم من إسرائيل ليس واضحاً، ولم يُعرَف بعد ما إن كانت الحكومة ستتولى شراءه وبيعه، أم ستقتصر الأرباح على عمولة التسييل والنقل.
ولهذا يرى المتابعون أنّ اعتماد إسرائيل على مصر لتوريد غازها هو أقل كلفة من مشروع مدّ أنبوب جديد يعبر الرقعة 8، وأكثر أماناً، فضلاً عن كونه استثماراً محاطاً بالمخاطر ما قد يُبعد المستثمرين.
كلير شكر - نداء الوطن