بمساعداتٍ ظرفية ومؤقتة إنما هزيلة، نجحت قوى السلطة في قمعِ إضراب موظفي القطاع العام بعد شهر وثلاثة أسابيع على إطلاقه. إذ تبيّن أمس أن نسبة لا بأس فيها من العاملين في القطاع، عادوا إلى ممارسة أعمالهم تطبيقاً للتعميم القاضي بحضورهم إلى مركز العمل يومين بالحدّ الأدنى. وغالبية العائدين عن الإضراب، هم في غالبيتهم ممن يقطنون قريباً من مراكز عملهم، أي أن الأكلاف التي سيتكبدونها قد تغطّيها المساعدات المالية وبدل النقل رغم هزالتهما، أو عادوا خوفاً واستجابة للضغوط التي مورست عليهم.
ورغم إعلان رابطة الموظفين استمرار الإضراب المفتوح، إلا أنه لم تعد لديها القدرة على المضي بتنفيذ قرار الإضراب المفتوح الذي يفترض أن يكون دفاعاً عن حقوق العاملين في القطاع العام. فالعودة إلى العمل والحضور في الإدارات، كسر هذه الحركة الاحتجاجية غير المنظمة، بل بات يعكس اقتناعاً بأن الموظفين ليسوا مؤمنين بأن لديهم فرصة في تحصيل حقوقهم ما دفعهم إلى اتخاذ خيار الرجوع عن الإضراب والامتناع عن السير وراء قرار الرابطة، ولا سيما أنهم أصلاً نفّذوا الإضراب بعدما نفذت قدراتهم الشرائية ولم يعودوا قادرين على تمويل انتقالهم إلى مراكز عملهم، أي أن الإضراب لم يكن اقتناعاً بأن الرابطة تمثّل الموظفين ومصالحهم.
ولوحظ أمس أنه في وزارات الصحة، المالية، العمل والزراعة ودوائر النفوس ارتفعت نسب حضور الموظفين مقارنة بإدارات أخرى، في حين واصل العاملون في وزارة التربية التزامهم بالإضراب. وتعدّ العودة الجزئية هذه بمثابة خرقٍ لصفوف الموظفين أحدثته السلطة متمثلةً بثلاثة طبّاخين إلى جانب تجمّع المديرين العامين؛ فإلى جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لعب وزيرا المال يوسف الخليل والعمل مصطفى بيرم دوراً رئيسياً في إسقاط الإضراب المفتوح. استعمل في هذه العملية، حجّة أساسية هي أنه لا يمكن تنفيذ إضراب مفتوح في ظل إفلاس الدولة، إذ أنه لا يمكن تمويل أي تصحيحات على الأجور إلا بطريقة المساعدة الاجتماعية، أي زيادات مؤقتة وقليلة مقارنة بتضخم الأسعار. ولم يكلّف الأمر أكثر من منح الموظفين مكاسب ظرفية بسيطة تقوم على: الراتب الأساسي، مساعدة مالية تعادل قيمة راتب كامل، بدل نقل يومي مقداره 95000 ليرة بشرط الحضور يومين على الأقل، «تعويض إنتاج» أو «راتب تحفيزي» عن كل يوم حضور فعلي إلى مركز العمل في الإدارات العامة وتعاونية موظفي الدولة لشهري آب وأيلول.
بدعة الراتب التحفيزي هي أيضاً مجزأة، إذ ستبدأ من 150 ألف ليرة لموظفي الفئة الخامسة وما يماثلهم من المتعاقدين والأجراء ومقدمي الخدمات، وضمن حدّ أقصى يبلغ 350 ألف ليرة لموظفي الفئة الأولى، وسيقدّم لمدة شهري آب وأيلول فقط. وهذا الراتب الأخير والمساعدة الاجتماعية وبدل النقل بطبيعة الحال، مشروطة بحضور الموظف إلى مركز عمله ثلاثة أيامٍ على الأقل. كما أوكل ميقاتي وبقية الوزراء إلى المديرين العامين اتخاذ الإجراءات الإدارية والتأديبية، بما فيها الإحالة إلى هيئة التفتيش المركزي، والهيئة العليا للتأديب، بحق من يتخلّف من الموظفين عن الحضور من دون مسوّغ قانوني لمدة يومين على الأقل، وتطبيق أحكام نظام الموظفين بحق من ينقطع عن الحضور من دون مبرر لمدة 15 يوماً، لجهة اعتباره مستقيلاً من الخدمة، والطلب إلى التفتيش المركزي متابعة جميع الجهات المعنية في سبيل تطبيق هذه الإجراءات. وهذا ما بدأ يحصل بالفعل بحسب مصادر «الأخبار»، مشيرة إلى تعرّض الموظفين في وزارات المال والشؤون الاجتماعية والزراعة لضغوطات وتهديد.
بمعنى أوضح الموظفون أضربوا وفكوا أضرابهم بمعزل عن قرار الرابطة، ومن بقي منهم معتكفاً هو في الغالب من سكان مناطق بعيدة نسبياً عن عمله وما زالت كلفة تنقله اليوم تفوق ما قدّمه حل اللجنة الوزارية. ما لم يقل خلال خوض المعركة مع السلطة، بدأ يتداول به في أوساط الموظفين كالحديث عن ضعف رابطة الموظفين، والمطالبة بترتيب البيت الداخلي عن طريق إجراء انتخابات جديدة تحضيراً للمواجهة المقبلة لا محالة مع السلطة عند انتهاء شهري آب وأيلول.
ربحت قوى السلطة بشكل مزدوج من هذه العملية، إذ أسقطت الإضراب ومعه مطالب الموظفين، وعزّزت فرصها في إقرار «الدولار الجمركي» بذريعة تمويل ما أقرّته من مساعدات مالية، علماً بأن تعويض الإنتاج أو الراتب التحفيزي هو لشهرين فقط. عملياً سقطت فكرة الإضراب المفتوح، وهو أقصى تصعيد يمكن أن يصل إليه الموظفون.
شكوى أمام مراجع دولية
تقدّمت رابطة موظفي الإدارة العامة بشكوى أمام مراجع دولية تُعنى بحقوق الإنسان والعمال، على خلفية تدخّل رئيس الحكومة ووزرائه لفكّ الإضراب، وتحديداً في ما يتعلّق بالبنود المتضمّنة تهديد بالإجراءات التأديبية. وتفضّل رئيستها نوال نصر مراقبة نسب الإشغال في المؤسّسات والإدارات العامة في الأيام المقبلة قبل الحكم على فشل الإضراب من اليوم الأول، متوقعةً خروقات كالتي حصلت بالأمس. إلا أن نصر تؤكد بالمقابل أن عدداً ممن عادوا إلى إداراتهم أبلغوا الرابطة بأنهم استدانوا كلفة التنقل، وعبّروا عن خوفهم من عدم التزام السلطة بقرارها أو بالدفع ضمن المهل الزمنية المفترضة، كما حصل سابقاً عندما تأخر دفع المساعدة الاجتماعية.
ندى أيوب - الأخبار