تسيطر حالة من البرود حالياً على علاقة حزب «القوات اللبنانية» بـالحزب «التقدمي الاشتراكي»، لكنها على الأرجح لن تبلغ مرحلة القطيعة بين حزبين تجمعهما قواسم مشتركة وإن اختلفا حول مقاربتهما لملف الاستحقاق الرئاسي، بحسب ما تقول مصادر مواكبة للعلاقة بين الطرفين. ولا تعود حالة البرود الحالية، بحسب المصادر ذاتها، إلى بدء «التقدمي» حواراً مع «حزب الله»، وإنما إلى البيان الذي أصدرته النائب ستريدا جعجع في ردها على موقف رئيس «التقدمي» وليد جنبلاط الذي رفض تخوين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على خلفية التداعيات المترتبة على ما حصل مع المطران موسى الحاج لدى عودته من فلسطين المحتلة إلى لبنان عبر بوابة الناقورة.
وتؤكد المصادر المواكبة، أن الفتور الذي يحاصر علاقة «التقدمي» بـ«القوات» لا يعني بالضرورة أنهما أوشكا على إنجاز أوراق الطلاق بالمفهوم السياسي. وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إن التواصل بين الحزبين لم ينقطع وإن كان قد استمر بصورة غير رسمية، وهذا ما حصل ليل أول من أمس؛ إذ سُجّل اتصال من الوزير السابق ملحم رياشي (القوات) بالنائب وائل أبو فاعور (الاشتراكي)، وجاء بعد ساعات على المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس «القوات» سمير جعجع وخصصه لشرح موقفه من انتخابات رئاسة الجمهورية.
وتلفت المصادر إلى أن ربط الفتور بين الحزبين بمعاودة الحوار بين «التقدمي» و«حزب الله» ليس في محله، ولن يكون ثمنه الانجرار إلى قطيعة مع «القوات»؛ لأن ما يجمع بينهما من توافق يتراوح بين محلي واستراتيجي حول أبرز القضايا الشائكة التي لا تزال عالقة، أكثر بكثير من التباين في مقاربتهما للاستحقاق الرئاسي. وترى أن التباين بين الحزبين في مقاربتهما لانتخابات رئاسة الجمهورية لن يكون على حساب هدفهما المشترك برفضهما انتخاب رئيس جديد للجمهورية ينتمي إلى قوى «8 آذار» ويدور في فلك «محور الممانعة» الذي تقوده إيران وينوب عنها في بيروت حليفها الأول «حزب الله».
وتعتبر المصادر نفسها أن جنبلاط لدى استقباله وفد «حزب الله» كان واضحاً برفضه انتخاب رئيس ينتمي إلى «8 آذار»، وأن المطلوب المجيء برئيس لا يشكّل تحدّياً لأحد، وإنما على نقيض بالتمام والكمال عن الرئيس الحالي ميشال عون الذي يعتبره جنبلاط مسؤولاً عن انهيار البلد وتدمير علاقاته بالدول العربية وافتعال اشتباكات سياسية متنقلة مع أبرز القوى السياسية الفاعلة بمن فيهم بعض حلفاء «حزب الله»، في إشارة إلى صدامه برئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وتضيف، أن جنبلاط بمعاودة حواره مع «حزب الله» لا يتطلع إلى عقد صفقة ثنائية معه، وإنما إلى إشعاره بوجود ضرورة لإحداث صدمة سياسية تدفع باتجاه عدم التمديد لعون بانتخاب شبيه له لأن البلد لم يعد يحتمل المزيد من الانهيارات الكارثية.
وتؤكد، أن جنبلاط لن يغامر بعلاقاته العربية في مقابل دخوله في صفقة ثنائية مع «حزب الله» أو بتفرّده بموقف من الانتخابات الرئاسية بخلاف المزاج الشعبي بداخل «التقدمي» وامتداداً إلى المزاج العام في البلد، وترى أن لا مبرر لإطلاق الأحكام على النيات ما دام أن الحوار يجري تحت سقف «ربط النزاع وتنظيم الاختلاف».
وتكشف، عن أن تواصل «التقدمي» مع الدول العربية لم ينقطع، لكن لا شيء يمنع التواصل مع مكوّن أساسي في البلد يتمثل بـ«حزب الله». وتقول، إن لا اعتراض على الهدف الذي رسمه جعجع بقطع الطريق على إيصال مرشح من «8 آذار» إلى رئاسة الجمهورية، وإنما على العبارات التي استخدمها، خصوصاً لجهة «تخوينه» للنواب أكانوا من المستقلين أو المنتمين إلى القوى التغييرية في البرلمان في حال لم يتناغموا معه في موقفه.
وتتابع المصادر نفسها، أنها لا تعترض على ضرورة رفع السقف كمدخل للتفاوض، لكن في منأى عن أسلوب التحدي، والتعاطي بواقعية مع الاستحقاق الرئاسي لأن الأكثريات في البرلمان لم تتوصّل حتى الساعة إلى بلورة موقف موحد و«بالتالي، يتوجب علينا أن نعطيهم الفرصة لتوحيد رؤيتهم ليكون في وسعنا أن نبني على الشيء مقتضاه... وبعدها لكل حادث حديث».
وإذ تستبعد المصادر ما أخذ يُروّجه البعض حيال إمكانية الالتقاء بين «القوات» ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في شأن الملف الرئاسي من موقع الاختلاف، فإنها تؤكد، في المقابل، أن باسيل يروّج لنفسه كمرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية، وإذا استعصى عليه الأمر فلا مانع لديه من أن يكون هو الممر الإلزامي لانتخاب الرئيس لأنه لم يقتنع حتى الساعة بأنه أصبح خارج السباق إلى الرئاسة.
وتعتبر أن توصيف جعجع للوضع المأسوي الذي يتخبّط فيه البلد يشكل نقطة التقاء مع «التقدمي»، وهذا ما يفتح الباب أمام معاودة التواصل بين الحزبين بعد أن يُصار إلى خفض منسوب التوتر الذي كان وراء انقطاعه، من دون أن يصل وبقرار قاطع من الحزبين إلى مرحلة القطيعة. وتقول، إن هناك حاجة إلى التنسيق مع النواب المستقلين وزملائهم في «القوى التغييرية» لقطع الطريق على إيصال مرشح «8 آذار» إلى الرئاسة، وهذا ما يجمع بين «التقدمي» و«القوات» من موقع اختلافهما في مقاربة الملف الرئاسي.
لذلك؛ فإن انتخاب الرئيس الجديد سيكون مع مطلع أيلول المقبل موضع اهتمام المجتمع الدولي، ليس بسبب إصراره على إجراء الانتخابات في موعدها فحسب، وإنما لما للتقاطع الدولي والإقليمي من دور في إنضاج الظروف المواتية لمنع إقحام البلد في فراغ قاتل في حال تقرر ترحيلها إلى ما بعد انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية بارزة، إن الفترة التي تفصل عن بدء الحراك الدولي في سبتمبر المقبل لتهيئة الأجواء أمام تأمين ولادة طبيعية للرئيس العتيد ستشهد تبادل الحملات السياسية التي يراد منها حرق هذا المرشح أو ذاك، مع أن المرشحين لا يزالون يحبسون أنفاسهم ولن يحرّكوا ساكناً قبل مبادرة الدول المعنية بالاستحقاق الرئاسي إلى تشغيل محركاتها باتجاه الأطراف الداخلية ذات التأثير في العملية الانتخابية.
واستغربت المصادر السياسية ما كان أشيع بأن سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو وقبل أن تغادر إلى باريس لتمضية إجازتها الصيفية كانت قد استمزجت رأي البطريرك الماروني بشارة الراعي بلائحة تضمنت أسماء 4 مرشحين للرئاسة، وأن الأخير أضاف اسماً خامساً عليها، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن لا صحة لمثل هذه المعلومات أسوة بما أشيع سابقاً عن أن الراعي رفع إلى الفاتيكان لائحة بأسماء أربعة مرشحين. ولفتت إلى أن الراعي لم يتدخّل حتى الساعة في لعبة الأسماء، وأنه باقٍ على موقفه بتحديده مواصفات رئيس الجمهورية. وقالت، إن بكركي ليست في وارد دعوة من يقدّمون أنفسهم على أنهم من المرشحين الأقوياء للقاء يُعقد برعاية الراعي، أو لآخر ثنائي يقتصر على باسيل وجعجع، مشيرة إلى أن الأخير «قال كلمته في خصمه اللدود (باسيل)... ونقطة على السطر».
وأكدت المصادر، أن الراعي لن يعيد التجربة بدعوة المرشحين الأقوياء للقاء في بكركي كما فعل في السابق بدعوته الرئيس أمين الجميل وعون وجعجع وسليمان فرنجية، رغم أن ذلك اللقاء جاء بطلب منهم. وقالت، إن نظرية «الرئيس القوي في طائفته» كإحدى مواصفات رئيس الجمهورية «سقطت نهائياً لأن القوي هو من يجمع بين اللبنانيين لا من يفرّقهم، والقادر على أن يكون فوق الانقسامات والاصطفافات السياسية وإلحاق لبنان بمحور معين». وعليه، فإن الحوار يُسهم في إنقاذ البلد، وإن هناك ضرورة، كما تقول المصادر، لتلاقي الجميع في أوقات اشتداد الأزمات، وبالتالي فإن لا مفر من إحياء التواصل بين «القوات» و«التقدّمي» الذي «لن يغرّد وحيداً» في الملف الرئاسي، بحسب ما تؤكد المصادر ذاتها.
محمد شقير - الشرق الأوسط