كاملا هاريس والإعلام!

قبل 15 يوماً من الانتخابات الرئاسية لا تزال هاريس تناضل من أجل رفع شعبيتها أمام رئيس سابق متمرس في مواجهة الإعلام والجماهير والمحاكمات والاتهامات وحتى محاولات الاغتيال.

ومع بدء التصويت المبكر في العديد من الولايات ظهرت تحذيرات من أن هاريس تفقد الزخم لصالح ترمب وبدأت الأصوات الديموقراطية تتهم فريق بايدن بعرقلة هاريس جزئيا بسبب تأخره في الانسحاب من السباق الرئاسي وهو أمر صعب من تعرف الجماهير عليها، بخلاف استراتيجيتها الإعلامية الضعيفة حتى أن مجلة التايم الأمريكية والتي كان من أوائل من دعموها وجهت لها انتقادات حادة وغير مسبوقة بسبب تهربها من إجراء مقابلة معها.

ولمعالجة هذه القضايا الملحة وإدراكًا منها ولو متأخرا بأهمية الإعلام، قامت كامالا هاريس بالتواصل مع مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام، مشيرة إلى نهج استراتيجي جديد لتوسيع نطاق وصولها إلى التركيبة السكانية المختلفة للناخبين.

وأجرت هاريس مقابلة مع بريت باير على فوكس نيوز، والتي تم بثها في 16 أكتوبر 2024. وقد لوحظت هذه المقابلة بطبيعتها القتالية وكانت أول مقابلة رسمية لها مع هذه الشبكة القوية وذات الميول المحافظة، بهدف الوصول إلى الناخبين غير الحاسمين أو أولئك الذين لديهم شكوك حول خصمها. كما أنها تخطط لمقابلة كاملة من السي إن إن في 23 أكتوبر.

كما جلست هاريس مع وسائل الإعلام المحلية مثل شبكة WPVI في فيلادلفيا وتواصلت مع الرابطة الوطنية للصحفيين السود، مما يشير إلى جهد واسع للتواصل مع الناخبين في الولايات المتأرجحة بشكل مباشر.

ويبدو أنها استمعت إلى نصائح مستشاريها وظهرت على منصات لا ترتبط عادةً بالمقابلات السياسية السائدة، مثل برنامج هوارد ستيرن وبودكاست كول هير دادي، مما يشير إلى التواصل مع الجماهير الأصغر سنًا أو الأقل مشاركة في السياسة.

وكانت المقابلة مع ستيفاني "شيكيبيبي" هيمونيديس، وهي مذيعة إذاعية شهيرة باللغة الإسبانية، جزءًا من استراتيجيتها للتواصل مع الناخبين من أصل إسباني.

ورغم الاخطاء الاستراتيجية التي ظهرت فيها إلا أن هاريس تدرك بأن الوقت ينفذ والزخم يتحول لصالح ترمب وليس لديها ما تخسره.

والسؤال هل هذا التحرك يبدو متأخرا؟

والإجابة نعم، وفي وجهة نظري أن ترشح هاريس من البداية صاحبته تعقيدات كبيرة في مسيرتها خصوصا ترشحها الأولي في 2019 والتصريحات التي صاحبتها ونهاية بفشلها الإعلامي الحالي.

وقبل أن تصبح هاريس مرشحة حزبها للرئاسة، لم تحدث كامالا هاريس تأثيرا عاما إيجابيا كبيرا خلال ما يقرب من أربع سنوات في البيت الأبيض .وعملت إلى حد كبير تحت أعين الإعلام المتعاطف معها ومع ذلك فشلت في بعض مهامها البارزة، كما لم تكن متميزة كزعيمة. ولم تكتسب شعبية كبيرة بين صفوف المعجبين ولم تتوسع في هذا المجال. ولم تكسب مكانتها الكاملة باعتبارها التالية في الترتيب للترشح للرئاسة، وكانت معروفة في دوائر واشنطن بعلاقاتها المتوترة مع موظفيها وتراجع معدلات شعبيتها وهو أمر ركزت عليه وسائل الإعلام كثيرا وربما أضر بحظوظها حاليا.

وحتى الآن ومنذ حصولها على بطاقة الترشح الديمقراطية لم تجر مؤتمرا صحافيا شاملا مع الصحافيين وفقا للفوكس نيوز. وتشير المصادر إلى أن عدم قدرتها على التعامل مع وسائل الإعلام ساهم في تعميق مشاكلها. وتعزى إخفاقاتها الملحوظة في المقابلات التلفزيونية إلى عدة عوامل أبرزها من وجهة نظري التهميش الذي عانته في عهد إدارة بايدن وقد وصفت هاريس وسائل الإعلام في تلك الفترة بأنها متحيزة ضد المرأة. ويصفها مقربون منها بأنها حذرة للغاية مع الإعلام، وتفتقر إلى القدرة على التواصل بشكل طبيعي مع الناخبين. وهذا السبب جعل ردودها تبدو وكأنها متدربة، وهو ما شاهدته الجماهير مؤخرا في المقابلات التلفزيونية.

كما أن هناك نظرية متداولة مفادها أنها ربما تعرضت لتدريب مفرط أو أن تدريبها الإعلامي قد لا يكون فعالاً في جعلها تبدو عفوية أو قابلة للتفاعل. وقد أدى هذا إلى إجابات تبدو وكأنها تتجنب السؤال أو تلتزم بشكل غير وثيق بنقاط الحديث المعدة.

ونظرًا لمنصبها الكبير كنائبة رئيس ومرشحة الديموقراطيين لأرفع منصب في العالم فإن التدقيق الشديد سيرافق كل تحركاتها، وهناك توقع منها أن تتعامل مع كل سؤال بلباقة ووضوح. وعندما لا تفي بهذا المعيار المرتفع، غالبًا ما يتم تسليط الضوء على ذلك باعتباره فشلًا ذريعا وهو أكبر هدية تقدمها للجمهوريين المتعصبين والناقمين عليها.

ومن وجهة نظري حصلت هاريس على تغطية لم يكن يحلم بها أي مرشح ديموقراطي أو جمهوري باستثناء لقائها مع الفوكس نيوز الأسبوع المنصرم.

واذا تتبعنا مقابلاتها مع الشبكات والمنافذ الداعمة للديمقراطيين تجد أنها لم تتعرض لأسئلة صارمة تساعدها على إيضاح حجتها وقدرتها على إقناع الجماهير برؤيتها، وفي لقاء مع برنامج ٦٠ دقيقة على شبكة CBS نيوز الأمريكية قالت هاريس بأن سياستها لن تختلف عن إدارة بايدن وهي سقطة أعادتها إلى المربع الأول بعد أن عانت من إرث بايدن الذي لا تود الارتباط به وهو إرث كارثي بكل معنى الكلمة، لكنها عادت مجددا وتراجعت في مقابلة الفوكس نيوز وأعلنت أن إدارتها لن تكون فترة أخرى من إدارة بايدن!

وبصراحة البيئة السياسية في الولايات المتحدة هذه الأيام متوترة وشديدة الاستقطاب بخلاف الدورات الانتخابية السابقة، خصوصا مع دخول قطب المال والأعمال إيلون ماسك ومنصته إكس بثقله في الانتخابات لصالح ترمب وهذا يعني أن أي خطأ أو تردد أو إجابة أقل من مثالية يمكن تضخيمها واستخدامها كذخيرة سياسية وبثها كإعلانات في الولايات المتأرجحة.

وإذا تم مقارنتها مع أسلافها والأسئلة الصعبة التي واجهتهم (هيلاري كلينتون، وبايدن) نجد أن هاريس حتى اليوم تفتقر إلى الرسائل الواضحة وهي تكافح في تعريف نفسها هل هي امتداد لإدارة بايدن أو هي النسخة اليسارية التي كشفت عنها عندما ترشحت في 2019 وعانت منها كثيرا أو نسخة أكثر اعتدالا؟

وربما كان خروج بايدن من السباق قبل المؤتمر الديموقراطي بشكل مفاجئ وقصر المدة بين انسحاب بايدن ساهم بقائها في هذه الوضعية الصعبة. وكانت هناك فكرة مفادها أن المؤتمر سيوحد الحزب الديمقراطي. لكن ليس مطلقًا، صحيح كان هناك ارتفاع في صور الوحدة في وسائل الإعلام الديموقراطية الا أن الأمر كان أشبه بمحاولة لصق مرآة مكسورة معًا وقد تصمد، لكن الشقوق لا تزال مرئية.

ولم يترجم المؤتمر إلى انتعاش كبير في استطلاعات الرأي لهاريس وهو أمر فاجأ الجميع واكتشف الديموقراطيون متأخرا أن الوحدة ليست قابلة للتسويق كما اعتقدوا.

ورغم كل هذه العقبات لازالت هاريس تتنافس بشدة مع ترمب وقد تقلب كل التوقعات وتحقق نصرا كبيرا كأول امرأة تفوز برئاسة أمريكا لكن فشلها وارتباكها الإعلامي حتى الآن زاد من تعقيدات وضعها ورسم حالة من الكآبة داخل المعسكر الديموقراطي.

يقرأون الآن