الحرب التنسيقية بين إسرائيل وإيران في مقابل صراع ليس له حلول

التجربة العربية في السلام مع إسرائيل ليست إيجابية؛ لأن إسرائيل تريد أن تأخذ دون أن تعطي، على إسرائيل أن تدرك أن العالم يتغير، وفكرة الاحتلال أصبحت عنوانًا مباشرًا لكل الدول الكبرى الصاعدة نحو بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، المستقبل يتجه نحو المسار المعاكس الذي كانت إسرائيل تطمح إليه؛ وخيارها الوحيد حل الدولتين وليس أكثر من ذلك..

الأسئلة الجوهرية التي تدور عن إيران وإسرائيل تدور حول كيفية إنهاء الصراع بحرب تنسيقية يمكن كشف أبعادها ببساطة، فخلال ما يقارب خمسة عقود دائما ما استخدمت إيران صراعها مع إسرائيل كمؤشر لإثبات جديتها في مشروع المقاومة الذي جعلته العنوان الرئيس لها، ولكن بعد أربعة عقود كشفت الحالة الحربية في الشرق الأوسط أن هذا المشروع يتداخل ويتقاطع في مناطق كثيرة مع الأهداف الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، بلغة أكثر دقة فإن نتائج هذا الصراع تتكشف للمنطقة بشكل يصعب قبوله، فحتى الحرب التي تم الحديث عنها بين إسرائيل وإيران هي نوع من الحرب التنسيقية التي يسهل فهم مجرياتها وتحديد أبعادها ونتائجها.

خلال الحرب القائمة بين إسرائيل وحماس منذ أكثر من عام كشفت الأحداث كيف أن إيران استخدمت الصراع كمبرر لمحاولة ضرب إسرائيل، ولكن الأدلة الجوهرية على ذلك لم تكن واضحة، فمنذ حادثة ضرب إسرائيل قنصلية إيرانية في سورية -التي راح ضحيتها عدد كبير من قيادات الحرس الثوري- بدأت فكرة الحرب التنسيقية تكتسح المشهد، وكانت أقل التوقعات حربا أوسع في الشرق الأوسط، فعليا أي حرب في الشرق الأوسط يمكنها التوسع هي فكرة مرفوضة كونها سوف تؤدي إلى فوضى دولية وليست فقط إقليمة.

التاريخ يعلمنا أنه منذ أن أصبحت إيران جمهورية إسلامية في عام 1979م عملت بشكل واضح على نشر نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكان الهدف هو العمل ضد العالم العربي، وعملت إيران على الأنشطة السرية في المنطقة عبر دعم ميليشياتها، وكان الهدف كسب موطئ قدم في كل منطقة يمكن إتاحتها في الشرق الأوسط اعتمادا على البعد الطائفي، كما ارتبطت نشأة إيران الثورية بمفهوم آخر؛ فإسرائيل في ذلك الوقت كان تصارع من أجل توسيع وجودها في الشرق الأوسط على المستوى العسكري والدبلوماسي فهي قد حققت في ذلك الوقت إنجاز معاهدتها التاريخية مع أكبر دولة عربية في ذلك الوقت.

وفي هذه الأثناء وبعد صعود الخميني إلى السلطة بدأت إيران تمسك بأطراف القضية الفلسطينية باعتبارها قضية من شأنها أن تسمح لدولة تهيمن على طائفة كبرى من المسلمين بأن يكون لها موقع في أهم قضايا الشرق الأوسط الخاصة بالعرب المسلمين السنة الذين يشكلون الغالبية العظمى من المسلمين، إيران كانت فرصة إيديولوجية استفادت منها إسرائيل وكانت النتيجة أن هيمنت إيران على العراق وسورية ولبنان لدرجة أن وجودها في هذه الدول أصبح لا يمكن تجاوزه، ومع تنامي الوجود الإيراني في لبنان أصبحت الفرصة أكبر لمواجهة مختلفة مع إيران تختلف عن الأفكار العربية التقليدية في محاربة إسرائيل، لقد وجدت إسرائيل نفسها أمام ميليشيات تقف مباشرة على حدودها الشمالية وفي الوقت نفسه هذه الميليشيات قادرة على التواصل مع المقاومة الفلسطينية التقليدية في الداخل.

الطموحات الإيرانية والإسرائيلية تقاطعتا بشكل كبير لتعطيل أي محاولة يمكنها أن تؤدي الى الوحدة العربية تجاه قضية فلسطين تحديدا، ومع ذلك استطاع العرب بقيادة دول كبرى في المنطقة تقديم مشروع الدولة الفلسطينية بحدود عام 1967م وعاصمتها القدس، هذا المسار وهذا الإصرار الذي تمسك به الدول العربية وخاصة المملكة هو الذي أدى إلى ثبات القضية الفلسطينية وجعل الدولة الفلسطينية ثمنا مباشرا لكل محاولة سلام قادمة مع إسرائيل.

المعادلة التي نقف أمامها اليوم بين هاتين الدولتين إسرائيل وإيران تتكون من ثلاثة معطيات رئيسة: موقف إسرائيل من السلاح النووي الإيراني ومن يدعمها، ثانيا: مدى استمرار الحرب التنسيقية بينهما حيث شهد العالم حربا يتم تسريب أهدافها وطريقها قبل أن يتم تنفيذها على الأرض، ثالثاً: أين ستذهب أذرعة إيران التي دعمتها لأكثر من أربعة عقود، يبدو أن هذه المعادلة كشفت أن العقود الأربعة الماضية وقعت تحت ذات التصورات التنسيقية، ولكن السؤال الأهم يقول بأن الصراع الذي فتحت أبوابه بين إسرائيل وإيران ليس له حلول سهلة حتى وإن كان تنسيقياً.

إسرائيل تضع يدها اليوم في عش الدبابير مع كل هذه الانتصارات التي تقول أنها تحققها، فالموقف الشعبي العربي يزداد بعدا عن إسرائيل وخاصة بعد أن قتلت آلاف المدنيين من الفلسطينيين دون وجه حق، لذلك فإن خيار إسرائيل الوحيد لحل أزمتها هي دولة فلسطينية تحقق الرضا العربي والشعبي، التجربة العربية في السلام مع إسرائيل ليست إيجابية؛ لأن إسرائيل تريد أن تأخذ دون أن تعطي، على إسرائيل أن تدرك أن العالم يتغير وفكرة الاحتلال أصبحت عنوانا مباشرا لكل الدول الكبرى الصاعدة نحو بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، المستقبل يتجه نحو المسار المعاكس الذي كانت إسرائيل تطمح إليه وخيارها الوحيد حل الدولتين وليس أكثر من ذلك.

الرياض السعودية

يقرأون الآن