يُقال إنه يمكن شم رائحة الخوف، في حين أن الإشارات التي تولّد الخوف غالباً ما تكون متعدّدة الحواس.
فالنار، على سبيل المثال، لها حرارة ودخان ورائحة للتخلص منها. ويلقي نسر يطير في السماء بظلاله ويخلق صوتا خافتا وهو ينقلب. وسيكون من المفيد للبقاء على قيد الحياة إذا كان لدى الحيوانات طريقة لتغذية كل تلك المعلومات الحسية من البصر والشم واللمس والتذوق والسمع في دائرة عصبية واحدة تثير جزءا من الدماغ يسمى اللوزة لبدء استجابة الخوف.
ومع ذلك، فإن وجود مثل هذا المسار العصبي لم يثبت بعد. وقدمت دراسة جديدة الآن دليلا قويا على دائرتين غير متداخلتين تعملان معا لبث الخوف في أدمغتنا.
وبدأ فريق الباحثين وراء الدراسة بشكوك في أن الخلايا العصبية التي تستخدم جزيئاً يسمى الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP) لعبت دورا قويا في هذه العملية، إلى جانب "مركز الخوف" في الدماغ - اللوزة.
وباختبار فرضيتهم على الفئران المعدلة وراثيا، وجدوا مجموعتين متميزتين من الخلايا العصبية CGRP في جذع الدماغ والمهاد المتصلين باللوزة للحيوان. وتعبر الخلايا العصبية البشرية أيضا عن CGRP، لذلك من الممكن أن تكون هذه الدائرة متورطة في حالات مثل الصداع النصفي واضطراب ما بعد الصدمة واضطراب طيف التوحد.
وقام الباحثون بتزويد الفئران بجهاز صغير لتصوير الكالسيوم يسمى مينيسكوب، والذي يسمح للعلماء بتتبع نشاط الخلايا العصبية CGRP بينما يتجول الفأر بحرية ويستجيب لبيئته.
ثم واجهت الفئران بعد ذلك محفزات تهديد، بما في ذلك صدمة صغيرة في قدمها، دفقة من الصوت تحاكي انفجار الرعد، قرص موسع يلوح في الأفق يحاكي الاقتراب السريع لطائر فوق الرأس، قطعة من القطن مغموسة في ثلاثي ميثيل ثيازولين، وهو مكون من براز الثعلب الذي يثير الخوف في القوارض، ومحلول الكينين، وطعمه مر.
وسجل العلماء نشاط 160 خلية عصبية من CGRP، نصف كل من الصنفين : CGRPSPFp وCGRPPBel.
ووجدوا أن معظم الخلايا العصبية CGRP زادت من نشاطها عندما واجه الفأر أصواتا مهددة، وأذواقا، وروائح، وأحاسيس، وإشارات بصرية. ولم تستجب الخلايا العصبية بنفس القوة للسيطرة على المنبهات.
ويقول سونغ هان، عالم الأعصاب في معهد سالك للدراسات البيولوجية في كاليفورنيا: "إن مسار الدماغ الذي اكتشفناه يعمل مثل نظام الإنذار المركزي. كنا متحمسين لاكتشاف أن الخلايا العصبية CGRP يتم تنشيطها عن طريق الإشارات الحسية السلبية من جميع الحواس الخمس - البصر والصوت والذوق والشم واللمس".
وأراد الباحثون تأكيد أن هذه الخلايا العصبية CGRP كانت مطلوبة لإدراك التهديد متعدد الحواس. وبمعنى آخر، أن الخلايا العصبية الأخرى لم تكن تثير نفس استجابة الخوف.
وفي الفئران، قاموا بإسكات الخلايا العصبية CGRP وأجروا التجربة مرة أخرى لمعرفة ما إذا كانت الحيوانات تستمر في إظهار نفس نمط سلوك الخوف استجابة للمنبهات المخيفة.
ووجد الباحثون أن الفئران التي تعرضت لإسكات هذه الخلايا العصبية، كانت أقل عرضة للاستجابة لصدمة القدم الكهربائية أو الأصوات العالية.
وكتب الباحثون في ورقتهم: "تشير هذه النتائج إلى أن الخلايا العصبية CGRPSPFp وCGRPPBel مطلوبة للتوسط في الاستجابات السلوكية لمجموعات مختلفة من التهديدات متعددة الحواس".
وأظهر الفريق أيضا أن هذه الخلايا العصبية CGRP كانت ضرورية لتكوين ذكريات عن التهديدات باستخدام ما يسمى بتجربة التعلم Pavlovian.
وخلص الباحثون إلى أنه من خلال تجميع كل إشارات التهديد هذه في منطقة واحدة من الدماغ، فقد يساعد ذلك الحيوانات في تسهيل اتخاذ القرار.
وإذا تم العثور على نفس الدائرة العصبية CGRP في البشر، فقد يساعد هذا البحث في تقديم علاجات للحالات الطبية.