دولي

إيران تدرس خياراتها مع اقتراب عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية

إيران تدرس خياراتها مع اقتراب عودة ترامب إلى الرئاسة الأميركية

تؤجج عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض جدلاً حاداً داخل إيران، حيث يتداول الخبراء والمسؤولون علناً ما إذا كانوا سيتفاوضون مع إدارته أو يتخذون موقفاً أكثر عدائية بما في ذلك خطوات محتملة نحو صنع قنبلة نووية.

في الأيام التي أعقبت الانتخابات الاميركية، أشار بعض المسؤولين الإيرانيين بحذر إلى أنهم على استعداد للتفاوض، حتى في الوقت الذي تقول فيه الأطراف الأكثر تشددًا إنها تعارض المفاوضات، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".

ونقلت وكالات الأنباء الايرانية عن وزير الخارجية عباس عراقجي قوله للصحفيين على هامش اجتماع مجلس الوزراء هذا الأسبوع: "قنوات الاتصال بيننا وبين الأميركيين لا تزال قائمة".

وامتنعت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة يوم الخميس عن التعليق على تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يفيد بأن إيلون ماسك، حليف ترامب، التقى بسفير إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك يوم الاثنين. وذكر التقرير أن الاجتماع كان بناء على طلب ماسك وركز على كيفية نزع فتيل التوتر بين طهران وواشنطن.

ولم يتضح ما إذا كان ترامب قد أذن بالاجتماع. وكان المدعون الفيدراليون قد أعلنوا عن توجيه اتهامات لثلاثة رجال في مؤامرة إيرانية مزعومة لقتل أشخاص في الولايات المتحدة، بما في ذلك محاولة واضحة لاغتيال ترامب أثناء حملته الانتخابية لولاية ثانية.

ولكن في تصريحاته الأخيرة، قال ترامب إنه "يود أن يرى إيران ناجحة للغاية".

وقال في مقابلة مع برنامج "بي بي دي بودكاست" اليميني الشهر الماضي: "الشيء الوحيد هو أنهم لا يستطيعون امتلاك سلاح نووي".

في ولايته الأولى، اتبع ترامب استراتيجية "الضغط الأقصى" على إيران، فانسحب من الاتفاق الذي قيّد برنامجها للطاقة النووية، وأعاد فرض العقوبات وأمر بالضربة التي قتلت الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وقال ترامب إن الاتفاق النووي، الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما، لم يغطِ مجموعة كاملة من التهديدات الإيرانية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية ودعم الميليشيات الحليفة في المنطقة.

ولكن بالنسبة للقادة الإيرانيين، فإن سياسات ترامب التي لا يمكن التنبؤ بها، فضلاً عن رغبته في أن يُنظر إليه على أنه صانع صفقات بارع، هي مؤشرات على أن الدبلوماسية قد تكون لا تزال ممكنة. وقال محللون إن اتخاذ موقف أكثر عدوانية يخاطر أيضًا بمزيد من الصراع مع إسرائيل، وذلك بعد أن أصبح الخصمان يخوضان حربهما الخفية التي طال أمدها في العلن.

وقال دياكو حسيني، محلل السياسة الخارجية المقيم في طهران لـ"واشنطن بوست": "في الوقت الحالي، هناك حذر في إيران". وقال إن القيادة لا تريد "علاقة عدائية مع ترامب في هذه المرحلة"، لكنها لا ترغب في "الترحيب الفوري" بعودته إلى منصبه.

وأضاف: "من جانب إيران، فإن نوافذ التواصل والتفاوض مع حكومة ترامب ليست مغلقة تمامًا".

وقال الخبراء إن أحد العوامل الرئيسية هو أن إيران اليوم أضعف مما كانت عليه قبل ثماني سنوات عندما أصبح ترامب رئيسًا لأول مرة. وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "في عام 2017، يمكنك القول إنه عندما جاء ترامب، كانت إيران في حالة جيدة جدًا".

وكانت طهران قد وقعت مؤخرًا على الاتفاق النووي الذي رفع معظم العقوبات الدولية، مما سمح لها ببيع النفط في السوق العالمية. واستعدت الشركات الأوروبية، بما في ذلك شركات السيارات والطائرات وشركات الأدوية العملاقة، للاستثمار.

أما الآن، فاقتصادها يعاني، وقادتها يتقدمون في السن، و"استراتيجيتها الدفاعية الأمامية في حالة يرثى لها"، كما قال فاتانكا.

وفي الأشهر الأخيرة، قامت إسرائيل بتدمير أو إضعاف الركائز الرئيسية لعقيدة الردع الإقليمية الإيرانية، وشنت حرباً ضد المسلحين المدعومين من إيران في غزة ولبنان واستهدفت أنظمة الأسلحة ومنشآت الصواريخ داخل البلاد.

وحتى لو قررت إيران الاحتفاظ بالاستراتيجية نفسها، بما في ذلك إعادة بناء الدفاعات الجوية والحفاظ على شبكة ميليشياتها، فإن ذلك "يتطلب أموالاً لا يملكونها"، بحسب فاتانكا.

وقد يرى ترامب ومساعدوه الأكثر تشددًا في ضعف إيران فرصة للضغط عليها أكثر. وكتبت النائبة إليز ستيفانيك، التي اختارها ترامب سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، على موقع "إكس" بعد الانتخابات: "الولايات المتحدة مستعدة للعودة إلى حملة الضغط الأقصى التي يمارسها الرئيس ترامب ضد إيران".

وفي مقابلة أجراها الأسبوع الماضي مع شبكة "سي إن إن"، قال براين هوك، مبعوث ترامب السابق لإيران، إن الرئيس المنتخب "يدرك أن المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط اليوم هو النظام الإيراني".

ومع ذلك، قال هوك إن ترامب "ليس لديه مصلحة في تغيير النظام".

وقال ترامب في برنامج ”بودكاست بي بي دي“ عندما سأله المذيع الأميركي الإيراني باتريك بيت ديفيد عما إذا كان يريد رؤية حكومة جديدة في طهران: "لا يمكننا التورط بشكل كامل".

وقال: "دعنا نواجه الأمر يا باتريك... لا يمكننا أن نديرها بأنفسنا".

إلا أن معظم الاحزاب السياسية في إيران تتفق على أن طهران لن تتفاوض تحت الضغط، كما قال مصطفى نجفي، وهو خبير أمني إقليمي تابع لجامعة "تربيت موداريس".

وقال عن ترامب: "إذا عاد إلى سياسة الضغوط القصوى نفسها... فلا شك في أن إيران لن تختار طاولة المفاوضات".

وحثّ سياسيون متشددون في الأسابيع الأخيرة المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على مراجعة العقيدة الدفاعية للبلاد للسماح بإنتاج أسلحة نووية. وكان خامنئي، الذي له القول الفصل في جميع مسائل السياسة الخارجية والأمن القومي، قد أصدر مرسوماً دينياً يحظر استخدام الأسلحة النووية في عام 2003.

لكن التوترات تصاعدت بين إسرائيل وإيران، حيث شن كل من البلدين هجمات على أراضي الآخر. وفي الجولة الأخيرة في 26 تشرين الاول (أكتوبر)، شنت إسرائيل غارات على منشآت عسكرية إيرانية، مما أسفر عن مقتل أربعة جنود.

وقال وزير الخارجية السابق ومستشار خامنئي كمال خرازي في مقابلة مع قناة "الميادين" اللبنانية هذا الشهر: "إذا واجهت إيران تهديدًا وجوديًا، سنعيد النظر في سياستنا النووية. لا يزال هذا الأمر مطروحًا على الطاولة... نحن نمتلك حاليًا القدرة التقنية على إنتاج أسلحة نووية وليس لدينا أي مشاكل في هذا الصدد".

وفي أعقاب فوز ترامب، قال النائب المتشدد أحمد نادري إن على إيران إجراء "تجربة نووية" بسرعة والإعلان عنها رسمياً حتى تتمكن من إرساء "أقصى درجات الردع".

واتباع نهج أكثر تصادمية ينطوي على مخاطر شديدة بالنسبة لطهران، التي شهدت في السنوات الأخيرة موجات من الاضطرابات الداخلية، مدفوعة بمخاوف اقتصادية واستياء عام من عقود من الفساد وسوء الإدارة والقمع السياسي.

وفي الوقت نفسه، عانى "حزب الله"، حليف إيران الأقوى في المنطقة، من خسائر فادحة في صراعه مع إسرائيل. وأدت الضربات الإسرائيلية في إيران الشهر الماضي إلى تعطيل دفاعاتها الجوية، مما جعلها عرضة لهجوم آخر.

يقرأون الآن