"لا شيء مستحيل، ولكن أفضّل أن أكون بعيداً عن السياسة، أنا نصف جمهوري ونصف ديمقراطي، في مكان ما بالوسط بين الليبرالية الاشتراكية والمحافظة المالية".
كانت هذه كلمات إيلون ماسك عندما اضطر للرد على ادّعاء حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت بأن ماسك يدعم قوانين الولاية المناهضة للإجهاض.
دخل عالم السياسة فعلاً تم تعيينه على رأس وزارة الكفاءة الحكومية. لكنّ شخصية مثل شخصية إيلون ماسك قد تريد المزيد. فهو الذي خرق جدار الأرض ووصل إلى الفضاء، فهل يصطدم حلمه بنص دستوري يمنعه من اختراق جدران البيت الأبيض والتربّع على كرسيّه يوماً؟ (من المعلوم أنه على الرئيس الأميركي أن يكون مولوداً في الولايات المتحدة، فيما ماسك من مواليد جنوب إفريقيا). قد يأمل ويحلم، وأول الغيث قطرة. فإذا خرج الرئيس المنتخب دونالد ترمب للقول إنه قد يترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو أمرٌ غير دستوري حالياً بدون تعديله. قد تكون تلك القطرة أملاً لماسك مستقبلاً. فالثورة التكنولوجية والعولمة خرجت من دولة تقود هذه الثورات حول العالم، فلم لا يأتي يومٌ وتتخطى الولايات المتحدة هذا التفصيل، ويُسمح لماسك بتعديل دستوري بالترشح للرئاسة؟ لكن هل فعلاً هذا حلم إيلون ماسك؟ فلنفترض أن الدستور سمح له، لم قد يريد هذا الرجل الملياردير كرسي البيت الأبيض؟
عندما أعلن دونالد ترمب أنه ينوي الترشّح لانتخابات الرئاسة الأميركية ظنّ كثيرون أنها مزحة بحكم شخصية ترمب ومن باب "اتركوا السياسة لرجالها". لكنّ السياسة مرتبطة دائما بالاقتصاد، وشكل الاقتصاد تغيّر بالتالي لا بدّ لرجالات السياسة أن يتغيروا بدورهم وهذه حال ترمب. فلماذا نستبعدها عن ماسك؟
مجلة تايم الأميركية صنفت إيلون ماسك شخصية عام 2021 وتعني بها الشخص "الأكثر تأثيراً في الأخبار أو في حياة الناس". حاز ماسك خلال عام 2021 على لقب ملك الإثارة بـ"تويتر" موقع X حالياً بسبب تغريداته التي تسبب بعضها في التأثير على أسواق المال. فمنذ استحواذه على موقع تويتر وطرده العصفور الأزرق واستبداله بعلامة X، قد تكون تلك اللحظة الفارقة لماسك ليبدأ عالم التأثير ويحرّك الرأي العام. بات المالك والمؤثر معاً في زمن يعيش في إطار شاشة أصغر من الشاشة الصغيرة (التلفزيون).
ربما يعتبر ماسك نفسه امتداداً للترمبيّين والسياسة الترمبية في الولايات المتحدة التي خلقها صديقه وقد يسلّمها له مستقبلاً. لكن اللافت أن الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، وشركة استكشاف الفضاء space X، وشركته نيورالنك التي تطوّر رقائق chips لزرعها في أدمغة البشر، وقال "قريباً سنستعمر المريخ!".. مع كل هذه الإنجازات التي تتخطى ووصلت إلى الفضاء، قد لا يزال يطمح رجل الفضاء ذاك بالبيت الأبيض؟؟!
فاستعمار الكوكب الأحمر لم يشبع غريزته، وعينه قد تكون على كرسي الرئاسة يوما.
فعندما يقدم ماسك عام 2022 أربعة مقترحات لـ"السلام بين أوكرانيا وروسيا" في تغريدة وتكبدت على إثرها أسهم شركة تسلا خسائر 8%، وتصوير نفسه أنه منقذ العالم الذي يتدخل بتوفير إنترنت عبر ستارلنك لكثير من المناطق وغيرها، ومؤخراً يتشارك مكالمة هاتفية لـ 25 دقيقة مع ترمب وزيلينسكي، فإن ذلك للتأكيد على نيته الدخول صراحة إلى السياسة وطموحه "الأرضي" على كرسي بين جدران بيت "أبيض" في مفارقة كبيرة وصريحة مع من وصل الفضاء بجسم خفيف متحرر وكرسي رجل فضاء يسبح في السماء.
هذه العودة إلى كوكبنا تؤكد على طبيعة الإنسان بالبحث عن السلطة بعد المال، وعن طبيعة إنسانية لا تشبع قبل إثبات حالها في ملعبها. ومع إيلون ماسك نعني بها: كوكب الأرض والتسابق مع أخيه الإنسان وبمعنى أدق داخل أميركا والولايات المتحدة وولايته تحديدا وقريته وأصل انحداره.
الاقتصاد اختلف ورجالاته اختلفوا، لكن ترمب أثبت قدرة رجل الأعمال على ترؤس عالم السياسة وكذلك قد يكون ماسك يوما، فيختار التقيد بكرسي خشبي وجلدي بدل الغوص وحيدا في الفضاء، إذا تم تعديل الدستور يوماً.
إنها طبيعة إنسانية بالبحث عن منافسة أرضية خارج طبقة المعمورة، لكنّ صراعه في فضاء الكون يبقى تنافسيا أرضياً ولا يتخطى ذلك. فكذلك رئاسة البيت الأبيض التي هي جولة ضمن جولات ماسك التنافسية مع الإنسان في أي مكان.
وأولى تلك الجولات قد تكون معركة تعديل دستورية لرجل كسر طبقة الأرض وخرج منها إلى الفضاء، فهل سيصعب عليه أن يسعى لتعديل يسمح له بالترشح للرئاسة بمساعدة صديقه ترمب الذي بدوره يحلم برئاسة ثالثة وتعديل يحاكي حلمه.
عندما يحلم رجل الأعمال على شاكلة ترمب وماسك.. يبدو أن النصوص لا تردع طموحهم، إن لم يكن اليوم فيوماً ما…
العربية