ناقشت صحيفة "كيهان" المقرّبة من المرشد الإيراني علي خامنئي الخيارات المحتملة أمام النظام مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عبر مقال بعنوان "ثلاثة خيارات: التفاهم، الحرب، والمقاومة"، وجاء فيه: "مواجهة ترامب تتطلب المقاومة وحدها، ولا مجال للرضوخ، لأنَّ التفاهم سيكون بمثابة تسليم للعدو، ولن يجلب سوى التبعية." وأكدت أن إيران يجب أن تتمسك بمواقفها المناهضة لأميركا.
قرب هذه الصحيفة من خامنئي يعني أن ما يُكتب ويرد فيها له حسابه واعتباره الخاص. ولأنَّ الموضوع يتعلق بعودة ترامب إلى السلطة، وهو موضوع حيوي وساخن يفرض نفسه بقوة على النظام عمومًا ودائرته المصغرة وبيت الولي الفقيه خصوصًا، فإنَّ المقال، من خلال طرحه ما سمّاه الخيارات الثلاثة واستبعاده منذ البداية خيار الحرب والتفاهم، مع تأكيده على ما وصفه بـ"المقاومة"، يحمل دلالات واضحة.
الدلالات المتمخضة عن إقرار الصحيفة بأنَّ "مواجهة ترامب تتطلب المقاومة وحدها، ولا مجال للرضوخ، لأن التفاهم سيكون بمثابة تسليم للعدو، ولن يجلب سوى التبعية"، تظهر أنَّ النظام استبعد ضمنيًا، ولكن بوضوح، الحرب والمواجهة مع الولايات المتحدة لأنه يعلم يقينًا أنه سيُهزم فيها شر هزيمة. لكنه استبعد أيضًا، وبصورة مباشرة، ما سمّاه التفاهم، أي التفاوض مع ترامب، لأنه يدرك أن أميركا ترامب ليست كأميركا (الرئيس السابق باراك) أوباما أو (الرئيس الحالي جو) بايدن، خاصَّة أنه لمس ذلك بوضوح خلال الولاية الأولى لترامب في البيت الأبيض.
صحيفة "كيهان" المقربة من خامنئي سعت للإيحاء بأن النظام يجب عليه التركيز على ما وصفته بـ"المقاومة". والمقاومة في القاموس السياسي تعني ممارسة الكذب والخداع والتمويه لإخراج النظام بسلام من مرحلة يواجه فيها الخطورة والتهديد. لكن من الواضح جدًا أن ترامب لن يجلس مكتوف الأيدي ليسمح للنظام بلعب هذه اللعبة المكشوفة خلال ولايته الثانية، وهي الولاية الأكثر جدية وخطورة على النظام الإيراني.
النظام، ومن خلال صحيفة "كيهان"، استبعد الحرب بصورة قاطعة لأنه لم يناقشها كما ناقش خياري التفاهم والمقاومة. أما استبعاد التفاهم، فهو كذب صريح، بدليل أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي أرسلا العديد من الرسائل الضمنية التي ترغب بالتفاهم مع إدارة ترامب حتى قبل تشكيلها.
النظام الإيراني يعلم جيدًا ما تعنيه عودة ترامب إلى السلطة، وأن الرجل الذي صفّى قاسم سليماني دون أن يرف له جفن في ولايته الأولى، يمكنه أن يبادر بخطوات أخطر، خاصة أنَّ إسرائيل في خدمته. وفي ظل نكبتي حماس وحزب الله، فإن النظام الإيراني أشبه ما يكون ببندقية طلقاتها معدودة.
حتى التصريحات النارية لقائد الحرس اللواء حسين سلامي، خلال اجتماع مع قوات الباسيج، التي قال فيها إنَّ "إسرائيل تشعر بالرعب، وإن مسؤوليها مضطربون وقلقون"، تناسب النظام الإيراني تمامًا، وليست إسرائيل المتماهية في تصرفاتها.
وبناءً على ما سبق، وفي ظل الأوضاع السيئة للنظام الإيراني على مختلف الأصعدة، وخاصة احتمال اندلاع انتفاضة نوعية ضده، ووجود معارضة فعالة كمنظمة مجاهدي خلق، فإن النظام سيجد نفسه مضطرًا للتفاهم مع إدارة ترامب سواء بشكل مباشر من خلال التفاوض، أو بشكل غير مباشر عبر وسطاء. وفي الحالتين، سيكون كما يقول المثل العراقي: "تريد أرنب، أخذ أرنب، تريد غزال، أخذ أرنب!".