هدنة الشرق الأوسط.. من يوثّق؟

من يكتب تاريخنا العربي القديم أو المعاصر؟ سؤال لطالما حير الكثيرين، خاصة عندما تكون الإجابة عنه: المنتصر هو من يكتب التاريخ.. فمن يكتب تاريخ هذه اللحظة التي تعيشها المنطقة العربية الآن وهي لحظة من لحظاتها التاريخية المفصلية؟

خضعت كتابة التاريخ منذ الأزل وحتى يومنا هذا لأهواء من يكتبون التاريخ ومصالح المنتصر وعقيدته وحتى جنسه ولونه.

أما بالنسبة لتاريخنا العربي فقد خضع على مر العصور للعديد من الأهواء والمصالح.. فمنذ القدم هيمنت أجناس وأقوام من القوى الأجنبية على جميع مفاصل المشهد التاريخي العربي، حيث كانت المنطقة ميداناً للصراعات وتسوية الخلافات بين القوى المختلفة، فمنذ بدايات القرن العشرين ومنطقة الشرق الأوسط تعيش حالة حرب دائمة، لا تهدأ حرب حتى تشتعل أخرى.. فكيف انعكس ذلك على تاريخنا المعاصر؟ يقال: المهزوم لا يكتب التاريخ، لأنه منشغل بهمومه ومشاكله، فهو حين يكتب التاريخ فهو يكتبه في صورة بكائيات أو ملاطم أو أحزان، ليس لديه من الوقت لكي يجلس ويفكر ويكتب، أما المنتصر فلديه من الوقت لكي يحتفل بقوته وانتصاره ويقدم لشعبه وللعالم صورة عن بطولاته لكي يشعل الحماس في قومه، ولكن من كتب تاريخنا العربي على مر العصور كان إما مقرباً للسلطة، أو مسؤولاً سياسياً وإعلامياً، أو صحفياً أو حتى هاوياً، أما المؤرخ المحنك صاحب الخبرة والمنهج العلمي فقد تراجع دوره أو حتى اختفى أحياناً ليفسح الطريق لمتستر وراء مصلحة سياسية أو اقتصادية.. والسبب يكمن في أن لحظة الصدق يصبح لا مكان لها على مسرح التاريخ، إما خوفاً منها أو تهرباً.

هدنة الشرق الأوسط التي أعلن عنها مؤخراًَ هي لحظة فارقة في تاريخنا، ولكنها أيضاً لحظة مؤقتة يجب أن نغتنمها لنوثقها ونحفظها للأجيال القادمة في صورة واقعية. التاريخ العربي في معظمه تاريخ غير واقعي حماسي ويتغنى ببطولات الشخوص والأبطال، ولا يروي كفاح الشعوب التي هي التي تكتب التاريخ الحقيقي وتبحث عن السلام.

كما أن تاريخنا لا يوثق للحياة اليومية للشعوب التي تعيش في ظل الحروب والنزاعات أو بعدها حين يعملون ويعيشون أو حتى عندما يموتون ويتحولون إلى مجرد أرقام في دفتر التاريخ.

تواجه الهدنة العديد من المآزق، فهي تواجه أولاً صمتاً عربياً إعلامياً، والصمت عادة لا يوثق للحظة، بمعنى أنه لا يفسح المجال لكتابة التاريخ الكتابة الصحيحة. وثانياً يواجه تقييم هذه اللحظة اختلافاً شعبياً في الرأي بين فئات عدة بينها من هو مؤيد أو معارض.. فالحروب والصراعات عادة ما تخلق مثل هذه الاختلافات حتى بعد انتهائها. تلك الاختلافات تنعكس عادة على المنتج الثقافي في المجمل، ومنه التاريخ.

البعض يحس بالخروج من تلك الأزمة مهزوماً، وبالتالي فمن الأفضل طي صفحة الماضي وعدم الحديث عنها، فقد كانت لحظة مظلمة وكئيبة من تاريخنا، والبعض الآخر يرى دائماً الجانب الآخر في كل أزمة.. فهو يرى حالات الصراعات والسلام كالظواهر الطبيعية، أي كالمد والجزر، وأن نتاجها إعادة استتباب السلام والاستقرار في العالم وإعادة توزيع النفوذ.. فلولا تلك الصراعات لما تغير العالم وتغيرت التركيبة الجيوسياسية والديموغرافية وتمت إعادة الهيبة للتاريخ.

إننا في هذه اللحظة التاريخية، سواء اتفقنا مع نتائجها أو اختلفنا، بحاجة إلى المؤرخ المحنك الحكيم، صاحب الأدوات العلمية والمنهج العلمي الصحيح لكي يكتب لنا التاريخ ويوثق لهذه اللحظة بكل ما فيها من انكسارات وانتصارات.. فقد تعلمنا من التاريخ أنه لا يسير في خط مستقيم، بل في خط متعرج يصعد وينزل.

البيان

يقرأون الآن