لحظات من الترقب يعيشها الشعب السوري بمختلف مكوناته في ظل التحولات الجديدة التي يشهدها الصراع الدائر في بلادهم.
فقد شنت فصائل معارضة مسلحة هجوماً مباغتاً الشهر الماضي، تمكنت خلاله من السيطرة على مدينة حلب من قبضة القوات الحكومية.
كما أكدت قوات سوريا الديمقراطية انتشارها في مناطق انسحبت منها القوات الحكومية في دير الزور.
ومع عودة التقارير عن سوريا إلى واجهة الإعلام الدولي، أصبحت الفصائل السورية محور نقاش واستفسار، خاصة في ظل تشعب خريطة الجماعات المسلحة في البلاد.
وتشمل هذه الخريطة جماعات إسلامية متشددة، مثل هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم على حلب. لكن، إلى جانب هذه الجماعات، هناك فصائل مسلحة أخرى تحمل أيديولوجيات مختلفة، مثل قوات سوريا الديمقراطية
ارتبط اسم "قسد" بالحرب في سوريا التي بدأت عام 2011. ولم يتم الإعلان عن تأسيسها إلا في خريف 2015، وذلك في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، إحدى المناطق الحدودية في شمال سوريا التي تسكنها أغلبية كردية، وكانت المسرح الرئيسي لعمليات "قسد".
منذ البداية، عُرف عن "قسد" أنها مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة، وأنها تشكلت لتصبح الشريك المحلي لقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية. فمنذ إعلان تشكيل التحالف في سبتمبر/أيلول 2014، عملت قواته على دعم مجموعات وهيئات مسلحة في سوريا والعراق.
عندما أصدرت "قسد" بيانها التعريفي، قدمت نفسها على أنها "تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان"، وأوضحت أن هدفها الرئيسي هو دحر تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة جميع الأراضي التي اجتاحها التنظيم المتشدد آنذاك.
حصلت قوات سوريا الديمقراطية على الدعم المالي والعسكري في إطار الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وشقت طريقها على الأرض بدعم أساسي من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ومع ذلك، أثار استحداث هذا التشكيل المسلح، ومناطق تمركزه ومكاسبه في شمال شرق سوريا المتاخمة للحدود الجنوبية لتركيا، حفيظة حكومة أنقرة.
تمكنت "قسد" من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من عدة مناطق استراتيجية، والسيطرة على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا. ومن أشهر معاركها ضد التنظيم معركة عين العرب/كوباني في عام 2015.
قسد وسلسلة التحديات
كانت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حليفا للأميركيين في الحرب السورية وأمنت لنفسها بذلك موطئ قدم في شمال شرقي سوريا .
ومن بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية، أعلن عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في آذار/ مارس 2019، لكن بدلا من تقوية وضعها في النزاع شعرت قسد بتعثر وبقلق من أن يتم التخلص منها وإزاحتها في أي لحظة.
وما أذكى هذه المخاوف إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام نفسه سحب معظم الجنود الأميركيين مع الإبقاء على بعضهم لتأمين المنشآت النفطية في المنطقة التي تحتوي على احتياطي نفطي هام.
ونُظر لذلك الانسحاب على أنه تخل واضحٌ عنها وسط تربص تركي بها، وتأثّرت العلاقة بين التحالف الدولي و"قسد" نسبياً بموقف الولايات المتّحدة.
كان تقارب الولايات المتحدة و"قسد" نقطة خلاف طويلة بين واشنطن وحليفتها في حلف الناتو، تركيا، التي دأبت لعقود على مناهضة تطلعات الأكراد في المناطق الحدودية سواء في سوريا أو العراق.
لكن متاعب "قسد" وقادتها الأكراد لم تقتصر على تركيا، إذ نددت الحكومة السورية، شأنها شأن أنقرة، بإعلان الأكراد النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم عام 2016.
في ظل خشية أنقرة من تصاعد تلك التطلعات، ومن الأبعاد التي قد يصل إليها المشروع الكردي بتحويل التقدم العسكري إلى إنجاز سياسي على الأرض، ومع ضعف قبضة القوات الحكومية السورية على مساحات واسعة، شنت تركيا مرارًا توغلات عبر الحدود برًّا وجوًّا ضد "قسد".
وترى تركيا أن "قسد" تمثل الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، وتخوض معه حربًا مستمرة منذ أربعة عقود أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
وفي آب/ أغسطس 2024، دخلت "قسد" موجة ثانية من الاشتباكات مع قوات عشائرية عربية في ريف دير الزور، بعد مواجهات سابقة بين الجانبين في سبتمبر/أيلول 2023. إلى جانب هذه الاشتباكات، نفذت مجموعات مسلحة موالية لإيران هجومًا منسقًا استهدف مقرات "قسد" في عدة مدن وبلدات في ريف دير الزور.
وعلاوة على ذلك، تعاني "قسد" من الخلافات الكردية-الكردية في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال سوريا.
ومع ذلك، يبقى الخصوم الرئيسيون لقوات سوريا الديمقراطية وحلفائها هم الجماعات الجهادية المنخرطة في الحرب السورية، لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية، وجماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وحلفائها.