سوريا آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

هل طريق الجولاني إلى حكم سوريا سالك؟

هل طريق الجولاني إلى حكم سوريا سالك؟

حتّى قبل فرار الرئيس السوري بشار الأسد ومغادرته البلاد، كان ثمة إجماعٍ في سوريا على أن رجل المرحلة المقبلة لن يكون سوى أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني. وتكرس هذا الإجماع منذ نجاح "إدارة العمليات العسكرية"، التي قادت معركة "ردع العدوان"، بإشراف الجولاني نفسه في السيطرة على مدينة حماه والتقدم نحو حمص.

وكانت شكوك ثارت حول وجود شخصيات أخرى قد تسابق الجولاني إلى دمشق، على خلفية مسارعة فصائل الجنوب في درعا لإعادة تجميع قواتها ضمن ما سمته معركة كسر القيود، التي سيطرت بموجبها على المحافظة الجنوبية، معلنة توجهها بعد ذلك إلى دمشق. لكن التطورات التي تزامنت مع، وأعقبت سقوط مدينتي حمص ودمشق، كشفت بما لا يدع مجالاً للشك عن أن المرشح الوحيد لخلافة بشار الأسد هو الجولاني، وأن ليس هناك أي منافس له.

وجاءت زيارة أحمد الشرع إلى مدينة دمشق، الأحد، وقيامه بجولة في أحيائها شملت المسجد الأموي ذا الأهمية الدينية الرمزية، حيث التقط بعض الصور مع حشود المصلين، لتؤكد الفرضية السابقة. وسبق ذلك توافق على تسليم السلطة بين رئيس الوزراء السابق محمد الجلالي وزعيم إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، مما شكل إقراراً من الأول بأن الثاني أصبح صاحب القرار الفعلي، وبالتالي الحاكم الذي ينتظر تتويجه.

وعزز ما سبق وجود مناخ دولي وإقليمي غير ممانع في وصول زعيم "هيئة تحرير الشام" باعتبارها مصنفة على قوائم الإرهاب الدولية إلى سدة الحكم في سوريا، وإن اشترط ذلك في بعض تصريحات المسؤولين الغربيين والأميركيين بخضوعها للمراقبة للتأكد من "اعتدالها" خلال المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد.

وعليه، فإن طريق الجولاني إلى حكم سوريا باتت مفتوحة من الناحية السياسية، وليس هناك أي عقبات إقليمية أو دولية تقف حائلاً دونه. لكن هذا لا يعني عدم وجود حقول ألغام أو مطبات خطرة من شأنها أن تؤرق الجولاني، وربما تجعل وصوله صعباً، لا سيما في ظل توقعات بأنه بعد فترة الاحتفال بانتصاره على نظام الأسد سيستأنف العديد من الدول الصراع في ما بينها على حماية مصالحها في سوريا، أو توسيع نفوذها فيها.

وربما التقطت مسامع الجولاني أثناء زيارته دمشق، الأحد، أصوات انفجارات تسببت بها غارات جوية قامت بها الطائرات الإسرائيلية لضرب أهداف مختلفة في العاصمة السورية، منها أهداف في حيي كفرسوسة والمزة، بالإضافة إلى مسارعة تل أبيب إلى الإعلان بعد ساعات من الإطاحة بالرئيس السوري عن انهيار اتفاق فضّ الاشتباك الموقع بين إسرائيل وسوريا عام 1974، ومباشرتها إنشاء منطقة أمنية في منطقة الفصل التي ينصّ عليها الاتفاق، قبل أن يعلن، مساء الأحد، رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن سوريا جبهة قتال بدءاً من هذه الليلة.

وتعتبر سوريا ذات أهمية استراتيجية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، ومن الصعب التسليم بأن الدول الغربية وبعض الدول الإقليمية سوف تسلم ببساطة أن تحتكر تركيا الهيمنة عليها بما يعنيه ذلك من استبدال النفوذ الإيراني بأذرعه الشيعية، بالصولجان العثماني وأذرع الإسلام السياسي، التي تعتبرها دول عربية عدة خطراً على أمنها القومي.

كما أن سوريا اليوم مقسمة إلى أربع حكومات، أصبحت اثنتان منها تحت سلطة الجولاني، وهما حكومة الإنقاذ التي تدير منطقة إدلب، والحكومة السورية التي كلفها الجولاني بتسيير الأعمال ريثما تتم عملية الاستلام والتسليم. كذلك هناك الحكومة الموقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض التي تدير ريف حلب الشمالي، ضمن مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، ولم تسارع هذه الحكومة إلى ما سبقها إليه رئيس حكومة الأسد بإعلان استعدادها تسليم السلطة في مناطقها. وتشكل الإدارة الذاتية التي تدير مناطق نهر الفرات الواقعة تحت سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) التحدّي الأبرز في هذا السياق، لأن الموقف التركي المعادي للقوات الكردية قد يحول دون أيّ فرصة للتقارب والحلّ بين الجولاني و"قسد".

ومن بين التحديات التي قد تنفجر بوجه الجولاني انتشار الفصائل المسلّحة في جميع أنحاء سوريا، حيث نسبة كبيرة من هذه الفصائل لا تقع تحت سيطرته، بل بعضها قاتل الجولاني في مراحل سابقة، لأنها ذات ارتباطات خارجية مختلفة. وفي هذا السياق، يشكل الجيش السوري كذلك تحدياً كبيراً، قد لا تكون إدارته سهلة، وربما تتسبب بتوترات حادة؛ وهذا متوقف على طريقة تعامل الجولاني مع هذا الجيش. فهل سيعمد إلى تسريحه وتفكيكه، أم سيبقيه ويضم الفصائل إليه؟ وكلّ خيار له سلبياته وإيجابياته.

وقد يكون الاختبار الأهم الذي بناء عليه سوف تمنح بعض الدول علامة النجاح في اختبار الاعتدال للجولاني هو طريقة تنظيمه لنقل السلطة إلى مؤسسات دستورية جديدة. وهنا بالتحديد توجد الكثير من الألغام والفخاخ، التي سوف تختبر مدى قدرة الجولاني على إدارة التنوع السوري بأقسامه الدينية والسياسية والعرقية، كما أنها سوف تبين ما إذا كان الوجه الناعم الذي أبداه الجولاني منذ بدء عملية "ردع العدوان" هو وجه ثابت وراسخ أم كان مجرد قناع تتلطى خلفه قناعات مختلفة ومصالح تمثل امتداداً لأجندات بعض الدول وعلى رأسها تركيا.

يقرأون الآن