منذ الهتاف الأول ضد النظام السوري في عام 2011، ظهرت عدّة أجسام مُعارضة في الخارج، معظمها اتخذت من تركيا مقراً لها، إلى جانب الكثير من المنظّمات ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام السورية البديلة التي عملت ضد النظام السوري.
وعلى مدار سنوات الثورة، تباينت الآراء بشأن أداء المعارضة السورية التي تشكلت في الخارج، إذ يرى البعض أنها فشلت في الحشد السياسي المطلوب وإجبار نظام الأسد على اتفاق يفضي لعملية سياسية واعدة.
وهناك أصوات كثيرة ذهبت بعيدا في انتقاد أداء معارضة الخارج ووصفتها بأنها "معارضة الفنادق" بسبب مستوى المعيشة المتفاوت بين أعضائها وبين بقية السوريين الذين كانوا يواجهون المجازر والحصار من قبل النظام السوري.
وبما أن سقوط نظام بشار الأسد كان عسكرياً بحتاً، فإن هذه الأجسام السياسية التي تعمل من المنفى فقدت أي وجود عملي لها على أرض الواقع. ولم تعد هناك أي حاجة إليها كممثّل عن المعارضة السورية، على اعتبار أن إدارة العمليات العسكرية هي الجسم المعارض الذي يقود المرحلة الانتقالية ما بعد الأسد.
فما هي أبرز أجسام المعارضة السورية؟ وما هي التوقّعات حول مصيرها بعد هزيمة الأسد عسكرياً في ميدان الحرب وبعيداً عن أروقة المفاوضات السياسية في العواصم العربية والأوروبية؟
المجلس الوطني السوري
المجلس الوطني السوري هو أول مظلة سياسية سورية معارِضة بعد انطلاق التظاهرات ضد الأسد. اتخذ هذا المجلس من تركيا مقراً له عند تشكيله في منتصف سبتمبر من عام 2011.
تم انتخاب المفكّر السوري برهان غليون وقتها رئيساً للمجلس. وكان عدد أعضائه 74 شخصاً تم حجب أسماء جزء كبير منهم خوفاً من ملاحقة النظام السوري لعائلاتهم في سوريا.
تكوَّن المجلس حينها من عدة قوى سياسية معارضة تم قمعها بشدة من قبل نظام الأسد، الأب والابن، مثل قوى إعلان دمشق، وكتلة الحراك الثوري، ولجان التنسيق المحلية، وحركة الإخوان المسلمين وغيرها.
وفي بيان التأسيس، قال المجلس: "إنه جاء تلبية لمطالب الشعب السوري وقواه الفاعلة، وبعد استعراض الجهود الكبيرة التي بُذلت لتوحيد قوى المعارضة، وفي سياق الكفاح البطولي للشعب السوري لمواجهة الحرب والمجازر اليومية التي يرتكبها النظام القمعي بحق المدنيين العزل، وآخرها مجزرة الرستن الفظيعة".
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، توسّعت المعارضة السورية، لتشمل مظلّة أكبر من المجلس الوطني السوري. فعقدت قوى المعارضة السورية اجتماعاً خلصت فيه إلى توحيد أطيافها تحت اسم "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وأصبح المجلس الوطني السوري عبارة عن كتلة داخل هذا الائتلاف.
يقول الائتلاف السوري، كما نشر على موقعه الرسمي، إن من ثوابته الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني السوري، والحفاظ على وحدة التراب السوري ووحدة الشعب السوري، إضافة لإسقاط النظام السوري بكل رموزه وأركانه وتفكيك أجهزته الأمنية، مع التأكيد على قيام سوريا المدنية التعددية الديمقراطية.
تفاءلت المعارضة السورية بهذا الائتلاف الذي ما زال قائماً حتى الآن في إسطنبول. واستطاع أن يُجري لقاءات مع مسؤولين مختلفين حول العالم. ولكن سرعان ما تعرّض لانتقادات عديدة بسبب عدم وصوله لأي تقدّم فيما يخص إسقاط النظام السوري أو حتّى الوصول إلى حل سياسي يضمن دولة ديمقراطية بالتشارك مع النظام.
وبعد إسقاط الرئيس الأسد، أصبح الائتلاف خارج المشهد السياسي، حيث لم يرد اسمه ضمن المرحلة الانتقالية. كما غاب عن أول زيارة دبلوماسية قام بها وزير الخارجية التركي، ورئيس جهاز أمن الدولة القطري إلى سوريا للالتقاء مع أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية.
واكتفى الائتلاف بتهنئة الشعب السوري في بيانه على موقعه على الإنترنت في 8 ديسمبر، وأكد على "استمرار عمله من أجل إتمام انتقال السلطة إلى هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة، للوصول إلى سورية حرة ديمقراطية تعددية".
وأكد الائتلاف "حرصه على سلامة الدول المجاورة وأمنها وعدم تدخل السوريين بدول الجوار، كما يتطلع لبناء الشراكات الإستراتيجية مع دول المنطقة والعالم بهدف بناء سورية من جديد، لكل أبنائها بمختلف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم."
وقال رئيس الائتلاف هادي البحرة إن "أهم دور للمعارضة في هذه المرحلة هو رص الصفوف وشحذ الهمم للتأكد من المضي بالمرحلة الانتقالية بنجاح وفق المعايير المحددة لها وهي الشمولية، والمصداقية، والغير طائفية".
وأكد البحرة في تصريح لموقع الحرة على أهمية صياغة دستور جديد وتوفير بيئة آمنة لإجراء الاستفتاء عليه وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال فترة ١٨ شهر كما حددها قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤.
الهيئة العليا للمفاوضات
تأسّست الهيئة في أواخر عام 2015. وتعرّف نفسها على موقعها الرسمي بأنها "هيئة سياسية جامعة تُمثّل أوسع نطاق من قوى الثورة والمعارضة السورية، وأنها كيان وظيفي مهمته التفاوض مع النظام السوري ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة".
كان الغرض الأساسي من الهيئة، التي تشكّلت في مؤتمر "الرياض 1" في السعودية، هي خوض جولات المفاوضات مع النظام، والتي كانت بعدّة مسارات، من بينها مسار أستانا، ومسار جنيف وغيرها.
وخاضت الهيئة جولات أخرى من المفاوضات ضمن اللجنة الدستورية التي كانت تعمل على التفاوض مع النظام لكتابة دستور جديد لسوريا. ورغم سنوات المفاوضات الطويلة وتعدّد جولاتها، لم تنجح هذه الهيئة بالوصول إلى أي نقطة ارتكاز مع النظام السوري، كما فشلت كل جلسات كتابة دستور جديد للبلاد.
وغاب اسم هذه الهيئة اليوم لأن الأسد سقط عسكرياً وبعيداً عن أي مسار تفاوضي. ولكن الدكتور بدر جاموس، رئيس الهيئة هنأ الشعب السوري، ودعا إدارة العمليات العسكرية لضرورة التحرك العاجل لضبط الأمن في سوريا على حسابه في منصة X، كما أعلن من خلاله أن هيئة التفاوض التقت بوزير الخارجية الفرنسي في 12 كانون الأول/ ديسمبر.
في النهاية لم تنجح قوى المعارضة بكل أشكالها على دعم الثورة السورية في جميع مراحلها، حتى أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تحدثت قبل سنوات عن فشل جولات المفاوضات بسبب تنافس قوى المعارضة فيما بينها.