عرف قطاع السياحة في المغرب لعام 2024 نجاحاً استثنائياً وغير مسبوق، باستقبال نحو 15.9 مليون سائح في الفترة الممتدة حتى نوفمبر، مسجلا زيادة بنسبة 20% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، أي بانضمام 2.6 مليوني سائح لمجموع سياح البلد، وهو نمو يأتي في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني لتحقيق هدف استقطاب 26 مليون سائح سنوياً بحلول 2026، والوصول إلى هدف تحويل المغرب إلى واحدة من أفضل 15 وجهة سياحية عالمياً.
وبحسب المعطيات الصادرة عن وزارة السياحة والتي حصلت عليها "النهار"، يعكس هذا النمو الكبير نجاح الإستراتيجية السياحية المعتمدة من الحكومة المغربية، والتي أسهمت فيها مجموعة من العوامل النوعية، في مقدمها الزيادة الملحوظة في عدد السياح الأجانب، والتي بلغت 23% بزيادة تقدر بنحو 1.5 مليون سائح إضافي، فضلا عن تسجيل عدد السياح المغاربة المقيمين في الخارج نمواً قوياً بنسبة 17%، ليضيف نحو 1.1 مليون سائح إلى الأعداد الإجمالية.
وبالحديث عن شهر نوفمبر 2024، فقد شهد القطاع السياحي في المغرب قفزة غير مسبوقة، فبلغ عدد الوافدين نحو 1.3 مليون سائح، مسجلاً زيادة بنسبة 31% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وقد اعتبرت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور هذه الأرقام بمثابة "مرحلة غير مسبوقة في التاريخ الديناميكي للسياحة" في المملكة، مشيرة إلى أن هذا النمو يعكس "قوة الإستراتيجية السياحية المعتمدة".
وفي تعليق لها على النتائج، أكدت عمور أن هذا النمو يشير إلى بداية مرحلة جديدة في تطور القطاع السياحي في المغرب، ويمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق الهدف الطموح المتمثل في جعل المغرب من بين أفضل 15 وجهة سياحية في العالم بحلول 2026. وقالت: "هذه الأرقام دليل قوي على نجاح خريطة الطريق السياحية التي وضعتها الحكومة، ويعكس التزام المملكة ترسيخ مكانتها على الخريطة السياحية الدولية".
وفي إطار دعم هذه النتائج، أكد خبير سياحي مغربي ل"النهار" أن المملكة "تسعى بكل حزم إلى تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية من خلال حملات ترويجية مبتكرة على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، تركز على إبراز التنوع الكبير في المنتج السياحي المغربي. يشمل هذا التنوع السياحة الثقافية والبيئية والشاطئية، بالإضافة إلى التراث التاريخي والمعماري الفريد للمملكة".
وأضاف أن "هذه الإستراتيجية كانت فعالة في استقطاب فئات جديدة من السياح، حيث لم يعد الاعتماد يقتصر على الأسواق التقليدية في أوروبا فحسب، بل توسعت جهود الترويج لتشمل أسواقا جديدة في الشرق الأوسط وآسيا. كما ساهمت العلاقات الدولية المحسّنة مع دول كبرى وفتح خطوط جوية جديدة في تعزيز هذا التوجه، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في أعداد السياح الوافدين إلى المملكة".
من جهة أخرى، يعكف المغرب على تطوير سياحة بيئية مستدامة تلبي تطلعات السياح الذين يفضلون السفر بطريقة تراعي البيئة. وفي هذا الإطار، أشار الخبير إلى أن "المبادرة تأتي في وقت يشهد فيه العالم اتجاهاً متزايداً نحو السياحة المستدامة التي تحترم البيئة، ويُنتظر أن تسهم المشاريع السياحية البيئية في استقطاب فئة واسعة من السياح الذين يحرصون على الحفاظ على الموارد الطبيعية.
وفي سياق عام 2025، أعلنت وزارة السياحة سلسلة إجراءات تهدف إلى التعجيل في تحقيق هدف 26 مليون سائح بحلول 2026، من بينها برنامج "Cap Hospitality" الذي حقق دعماً تقنياً واستثمارياً لـ570 مستفيداً جديداً، وستتم المصادقة على كفاءات 1450 مستفيداً في مجالات الفندقة والمطاعم ضمن برنامج "كفاءة". وستواصل الوزارة تدريب 2500 شخص ضمن برامج تكوين الأطر المتوسطة و1000 مستفيد من برنامج التكوين المستمر.
وعلى الصعيد الاقتصادي، شهد قطاع السياحة في المغرب نمواً ملحوظاً في العائدات السياحية، ووصلت إيرادات العملة الصعبة من القطاع إلى 76.4 مليار درهم بين يناير وأغسطس 2024، بزيادة قدرها 7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وسجلت مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة 21 مليون ليلة مبيت خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، بزيادة قدرها 10% عن العام السابق.
وتهدف خريطة الطريق التي وضعها المغرب في قطاع السياحة في أفق سنة 2026، إلى استقطاب 17,5 مليون سائح، وتحقيق 120 مليار درهم من المداخيل من العملة الصعبة، وإيجاد 80 ألف فرصة شغل مباشرة و120 ألف فرصة عمل غير مباشرة، فضلا عن إعادة تموقع السياحة كقطاع أساسي في الاقتصاد الوطني.
ولبلوغ هذه الغاية، تهدف خريطة الطريق المعتمدة من الحكومة المغربية، إلى تحويل القطاع السياحي عبر العمل على كل الروافع الأساسية، من خلال اعتماد تصور جديد للعرض السياحي يتمحور حول تجربة الزبون، ويرتكز على 9 سلاسل موضوعاتية و5 سلاسل أفقية، ووضع مخطط لمضاعفة سعة النقل الجوي، وتعزيز الترويج والتسويق مع إيلاء اهتمام خاص للرقمنة.
ومن الأهداف أيضا، تنويع منتجات التنشيط الثقافية والترفيهية مع انبثاق نسيج من المقاولات الصغرى والمتوسطة النشطة والعصرية، وتأهيل الفنادق وإحداث قدرات إيوائية جديدة، وتعزيز الرأسمال البشري، عبر إطار جذاب للتكوين وتدبير الموارد البشرية، من أجل الارتقاء بجودة القطاع وإعطاء آفاق مهنية أفضل للشباب.