يختلف العالم الآن عما كان عليه في عام 2016. ويوم عشرين من يناير 2025 لن يكون كمثله قبل تسع سنوات. ونجد في كلام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ما يدل على إدراكه هذا الاختلاف، وخاصةً حين تحدث مراتٍ، خلال حملته الانتخابية، عن أنه ما كان ليسمح بنشوب حربي أوكرانيا وغزة لو أنه استمر في البيت الأبيض بعد انتهاء فترة رئاسته الأولى.
ليست هاتان الحربان فقط هما إرث إدارة جو بايدن الثقيل الذي سيكون عليه أن يتعامل معه. سماح هذه الإدارة التي تلملم أوراقها لأوكرانيا باستهداف مواقع داخل العمق الروسي قد يُفاقم الأزمة في شرق أوروبا، ويمكن أن يهدد بتوسيع نطاق الحرب الأوكرانية، بعد أن استخدمت موسكو صاروخاً باليستياً فرط صوتي جديداً من طراز «أوريشنيك» في ضرب منطقة دنيبرو الأوكرانية، رداً على أول هجوم تنفذه قوات أوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكامد» و«ستورم شادو». والحال أن منطقة شرق أوروبا اليوم باتت مختلفة تماماً عن تلك التي كانت في فترة رئاسة ترامب الأولى. كما أنها صارت اليوم أكثر اختلافاً من أي وقت مضى منذ نشوب حرب أوكرانيا في فبراير عام 2022.
لكن تلك المنطقة ليست وحدها التي اختلفت وتغيرت، وسيكون على ترامب ومساعديه بذلُ جهد مضاعف فيها. منطقة الشرق الأوسط أيضاً باتت مختلفةً إلى حد كبير. لقد ترك ترامب هذه المنطقة وهي تقترب من حالة سلام غير مسبوقة، بعد نجاح إدارته في إبرام اتفاقات سلام بين ثلاث دول عربية وإسرائيل عام 2020 هي دولة الإمارات ومملكة البحرين في سبتمبر من ذلك العام، والمملكة المغربية في ديسمبر. وكان الطريق مفتوحاً أمام مزيد من الاتفاقات، على نحو يؤدي إلى إحلال سلام شامل ظل بَعيدَ المنال منذ أن قُطعت الخطوة الأولى في اتجاهه عندما وقّعت مصر معاهدةَ سلام مع إسرائيل عام 1979، بناءً على إطار كامب ديفيد الذي تضمن رؤيةً للسلام في المنطقة.
كما أن «صفقة القرن»، التي سعى إليها ترامب وفريقه، كانت تعِدُ بسلامٍ يتضمن «حل الدولتين» لقضية فلسطين. وعلى الرغم من أن صيغة هذا الحل في «صفقة القرن» لم تكن تلبي الطموح الفلسطيني حينذاك كاملاً، فهي بالتأكيد أفضل مما آل إليه الوضع الآن، بعد أن صار ما هو أقل منها أبعد منالاً.
ولهذا، فإذا أعاد ترامب طرح مبادرته المتعلقة بهذه الصفقة، فستواجهه معارضة من جانب حكومة بنيامين نتانياهو. وربما يجدُ صعوبةً في إقناعها بقبول دولة فلسطينية بأية صورة. صحيح أن قدرة ترامب في الضغط على هذه الحكومة يُتوقع أن تكون أكبر مقارنةً بالإدارة الحالية، ولا ننسى أنه يستمد هذه القدرة من ثقة الإسرائيليين فيه بناءً على سياسة إدارته السابقة.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الدول العربية ربما لا تقبل دعم صفقة كبرى تشمل المنطقة من دون وجود «حل الدولتين» فيها، باعتباره الضمان لنجاح ترتيبات السلام التي قد يُتفق عليها، فلنا أن نتصور مدى اختلاف الوضع في عام 2025 عما كان عليه في عام 2019 عندما طرح ترامب ومساعدوه خطتهم للشرق الأوسط. فيا له من إرثٍ ثقيلٍ فعلاً ستتركه إدارة بايدن وراءها لإدارة ترامب!.