فى كلمتين صد تصدير الثورة الإيرانى ووقفه كما أراد ودعا الخمينى، وكذلك رفض تصدير الأزمات أو الثورات للآخرين، فسوريا هى الهم والهدف الأول والأخير. هذا أهم ما جاء فى حوار السيد أحمد الشرع قائد المرحلة الانتقالية فى سوريا، مع الصديق العزيز الأستاذ طاهر بركة على قناة العربية يوم الأحد الماضى، ٢٩ ديسمبر، دالا وكاشفا عن تصورات الحكم الانتقالى لدى قائد هذه المرحلة من تاريخ سوريا، بعد سقوط بشار الأسد فى الثامن من الشهر الماضى، فقد أكد الشرع أولوية مصلحة السوريين، وألح على رفضه أن تكون بلاده ساحة لإرباك الإقليم والمنطقة، وذكر فى حواره مع العربية "أن مشروع تصدير الثورة الإيرانية أضر بالمنطقة".. وقال: استأصلنا مرضا عمره ٤٠ عاما وجنبنا المنطقة حربا طاحنة، وهو الأمر الصحيح تماما فى سوريا، وإن بقى فى بعض البلدان العربية فقط، فقد أنهى سقوط الأسد وجود أحزاب الله الشيعية التى مولتها إيران لإنقاذه والحرب فى سوريا لإبقاء نظامه، وليس لما كانت ترفع من شعارات طائفية، أربعة عشر عاما، فقد دخل حزب الله اللبنانى، وكيل إيران فى لبنان، بعد شهر واحد من اندلاع ثورة أطفال درعا.. قمعا للتظاهرات واستهدافا للسوريين المختلفين.. وما نجحت فيه هيئة تحرير الشام وحلفاؤها هو إيقاف هذا النزيف، وإسقاط الحاكم الذى تذرع بالطائفية فى وجه الوطن والمواطنة.
كان حضور أذرع إيران العربية والإسلامية واضحا فى المشهد السورى، عبر قوى حزب الله لم تنأى بنفسها، قدمت الطائفة على الوطن والدولة، ولايزال بعضها ينشط اليمن عبر الجماعة الحوثية وفى العراق عبر أتباع وميليشيات كثيرة، وكانت تحاول تصدير نموذجها فى أماكن ومناسبات عديدة فى البحرين حينا وفى الكويت حينا وأثناء موسم الحج أحيانا أخرى.
كان أحمد الشرع مدققا حين أجمل هذه المشاهد بقوله إنها أربكت المنطقة أربعين عاما، منذ اندلاع ثورة الخمينى سنة ١٩٧٩ الذى جعل أول مبادئ عقيدته هو مبدأ تصدير الثورة!! وتوظيف الطائفة وتسليحها فى مواجهة الوطن والاستقرار، رغم ما يوظفه نظام الملالى من شعارات- كما ذكر أحمد الشرع- عن تحرير القدس وقضية فلسطين، ولكن كان إصراره- الأكبر- على شعارات الطائفية التى بذرت فتنتها، فى دمشق قبل أربعة عشر قرنا!! واتضحت أساليبها- سوريًا ويمنيًا- قبل أربعة عشر عاما، ومنذ ثمانينيات القرن انتشرت فروعه الطائفية، فتأسس حزب الله فى لبنان سنة ١٩٨٢ ثم حزب الله فى الخليج سنة ١٩٨٧ م، كما تبنت الجماعات المسلحة من الطوائف الأخرى، شيعية وسنية، وقامت بدعمها تحت مبررات مختلفة، ونجحت فى استتباع نظام كنظام البعث السورى القومجى العربى والتحالف معه حتى فى الحرب الإيرانية العراقية التى استمرت سنوات، بعد شهور قليلة من نجاح ثورة الملالى فى إيران.
على الجانب الآخر، حرر ونزه الشرع الثورة والحراك السورى، فى حواره مع طاهر بركة الأول لقناة عربية، عن أن يكون تدخلا فى سيادة دول أخرى كما فعلت إيران، ولكن دخلوا قراهم ومدنهم وبلدانهم السورية، فى إشارة لفرق مهم.
فى هذه الحدود السورية والشامية وواقعها تتعاطى الإدارة السورية الجديدة مع شؤونها، سوريا أولا وأخيرا، عكس إيران ونظام الملالى بها الذى يمارس تأزيم المنطقة ويتجاهل أزمات بلاده وشعوبها من مواطنيه! فهو يمارس تأزيم الآخرين ويتجاهل أزماته بشكل رئيسى.
فى هذا الحوار المهم لم يقف الشرع عند رفض وإدانة مبدأ تصدير الثورة الإيرانى، ولكن أرسل تطميناته ورفضه توظيف أحداث سوريا لسواها، كما يروج البعض وأن تكون ثورة الشرع ملهما ومحركا أو حاضنا، كما فعل الخمينى وخلفاؤه لتصدير الثورات والانقلابات ضد الاستقرار والأنظمة فى المنطقة، وأن استقباله لبعض المعارضين ممن حضر للتهنئة، لا يعنى دعما حاضنا لهم.. أو دعمهم فى الثورة أو التغيير فى بعض دول المنطقة، بل ألح وأكد الخصوصية السورية وسياقاتها فيما تم، وعدم تقديمه غير مصلحة سوريا والتخفيف عن معاناة شعبها على سواها، وأنه لا يهتم بغير ذلك.
فى ذلك كله يبدو أحمد الشرع فى هذا الحوار صورة أخرى من الخمينى، وضد تصوراته، بل منفصلا عن الطموح الأممى للجماعات الدينية المتطرفة التى تستهدف الأمة وتنفى مقولة الوطن وتزيح أولويات الشعب والحياة والكرامة الإنسانية لصالح شعارات الهوية والمرجعية والعاطفة.
المصري اليوم