ثورة ترامب المضادة!

حتى الآن، لم يتخذ الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب قرارًا تنفيذيًا واحدًا (سيتولى السلطة رسميًا فى ٢٠ يناير الحالى)، لكن دول العالم، من الصين شرقًا إلى الاتحاد الأوروبى غربًا، متحفزة وقلقة، بل تشعر بالدوار نتيجة تصريحاته التى تتحدى كل عناصر النظام الدولى، سواء تعلق الأمر باتفاقات التجارة الدولية أو الهجرة أو العلاقات مع الدول، ليس فقط المناهِضة لأمريكا بل الحليفة أيضًا. ترامب علق على هذا الخوف الذى يكاد يشمل الجميع قائلًا: "يبدو أن العالم أصبح مجنونًا بعض الشىء".

قبله، كان المحللون السياسيون يرسمون سيناريوهات للعلاقة بين أمريكا فى عهد رئيس جديد والدول الأخرى، نقطة البداية فيها أن واشنطن يحكمها نظام مؤسسى لا يتغير بتغير الرئيس أو الحزب الحاكم، وأن المصالح الأمريكية ثابتة. انتهى هذا التصور مع وصول ترامب. السيناريوهات العادية لم تعد تصلح. الأسئلة الكبرى تسيطر: هل يتغير النظام الدولى؟ وهل يؤسس ترامب لأمريكا الإمبراطورية؟ ما مصير الاتحاد الأوروبى؟ وإلى أين تمضى الحرب الأوكرانية- الروسية؟ كيف سيكون شكل الشرق الأوسط؟ هل يضم كندا لأمريكا ويسيطر على قناة بنما؟ وإلى ماذا تنتهى حرب التعريفات الجمركية، التى هدد بفرضها على الخصوم والأصدقاء؟

كندا تعيش أزمة سياسية بعد تصريحاته عن جعل كندا ولاية أمريكية، والدنمارك غاضبة من كلامه بشأن السيطرة المطلقة على جرينلاند الدنماركية (أكبر جزيرة فى العالم). لأغراض الأمن القومى الأمريكى. ترامب صعَّد تهديداته ضد دولة بنما مهددًا باستعادة السيطرة على قناة بنما، متهمًا الحكومة برفع أسعار الشحن أمام السفن الأمريكية والسماح للجنود الصينيين بتشغيل الممر المائى، وهى ادعاءات ثبت كذبها. هل هذه مجرد تهديدات كلامية سيبتلعها ترامب بعد توليه المنصب وإدراكه أن الأمور لا تُدار بهذه الطريقة؟.

المتحدثة باسم فريقه الانتقالى، آنا كيلى، قالت: "زعماء العالم يتدافعون إلى الطاولة لأن الرئيس يفى بوعده أن يجعل أمريكا قوية مرة أخرى. الدول الأجنبية ستفكر مرتين قبل تمزيق بلدنا، وستحظى أمريكا بالاحترام مجددًا، وسيصبح العالم أكثر أمانًا". مسؤول آخر فى الفريق قال: "هذا ليس تهورًا. ترامب يعرف كيف يزن الأمور؟".

هناك من فسر هذه التصريحات النارية بأنها رسالة إلى الصين تحديدًا، والتى يعتبرها الرئيس المنتخب الخصم الأساسى لبلاده. وإذا كانت تلك التهديدات طالت دولًا صديقة كالدنمارك وكندا وبنما، فما بالكم بالتعامل مع عدو؟.. سلاح التعريفات الجمركية الكاسح على الصادرات الصينية لأمريكا مجرد بداية، تتلوها خطوات صدامية أخرى لمنع الصعود الصينى ومحاصرة نفوذه فى العالم.. لكن هذا السلاح ليس موجهًا فقط ضد بكين. دول بريكس التى تضم إضافة للصين، روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ومصر وإيران والإمارات وإثيوبيا، تلقت تهديدًا صريحًا عنيفًا: "١٠٠٪ رسومًا جمركية على صادراتكم إذا حاولتم استبدال الدولار بعملة أخرى"!.

الاتحاد الأوروبى لم يَسلم من التهديد، مما دفع بعض مسؤولى أوروبا إلى رفع العلم الأبيض. كريستين لاجارد، رئيس البنك المركزى الأوروبى، نصحت بأن تشترى أوروبا الأسلحة والسلع والغاز الأمريكى المسال تجنبًا للعقوبات. حلف الأطلنطى، الذى اعتبره ترامب شيئًا من الماضى، حاول أمينه العام مارك روته مغازلة ترامب قائلًا: "علينا أن نرقص مع أى شخص فى حلبة الرقص". زيلينسكى رئيس أوكرانيا، الذى تقمص شخصية نتنياهو فى تعاليه ومهاجمة من ينصحه بحل وسط مع روسيا اعتمادًا على دعم إدارة بايدن، بدأ يتراجع ويقترح تسويات سلمية بعد أن أدرك أن ترامب قد يتفق مع بوتين من وراء ظهره على صفقة تُنهى الحرب.

ماذا عن الشرق الأوسط؟.. الرئيس المنتخب لا يرى حاجة لحل القضية الفلسطينية. سيحاول مرة أخرى فصلها عن أى شىء آخر. الأهم بالنسبة له استئناف التطبيع العربى مع إسرائيل. إذا كانت فترته الأولى شهدت الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وسيادتها على الجولان، فليس مستبعدًا الاعتراف بسيادة دولة الاحتلال على الضفة الغربية، والسماح لها بضرب المنشآت النووية الإيرانية. حظر السفر الذى فرضه على أبناء العديد من الدول المسلمة، وألغاه بايدن، سيعود مجددًا. فى فترة رئاسته الأولى كانت الكوابح كثيرة. فوزه بالرئاسة كان هزيلًا. مجلس النواب سيطر عليه الديمقراطيون. فريقه التنفيذى لم يكن متناغمًا. الصحافة والإعلام ضده. الآن، لديه تفويض صريح بعد فوزه الكاسح. لديه أغلبية جمهورية بالكونجرس. الفريق الوزارى يؤمن بخططه بل شطحاته. الإعلام فى أضعف حالاته.

عام ٢٠٢٥ هو عام الأفعى، وفقًا لتقويم شرق آسيا. العالم فى انتظار لدغات الأفعى الأمريكية التى قد يتسبب بعضها فى شلل العضلات وتسميم الجهاز العصبى. هل من "ترياق" لإبطال مفعول ثورة ترامب المضادة؟.

المصري اليوم

يقرأون الآن