ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، فرح الجميع كما فرح السوريون، ونتمنى لهم كل خير، وقد أدركت منذ سنوات التحولات التي يتطور فيها مسار أحمد الشرع، ولكن رغم سقوط نظام البعث وانتهاء البعثية المقيتة، التي وقفت مع التوسع الإيراني ضد شعاريتها العربية، تظل المخاوف داخليا وخارجيا، بل وتزداد مع الوقت، داخليا مع بطء الإدارة واتخاذ القرارات وتوجس كل من العلويين والدروز من المسار، ورفض تسليم السلاح، وكذلك استمرار الخلاف مع قسد، وضبابية الموقف الداخلي بشكل عام، وخارجيا مع ظهور وجوه متطرفة عنيفة مطلوبة دوليا لترسل التهديدات لبعض الدول المركزية في المنطقة، وعلى العكس مما صرح به الشرع للعربية وغيرها من أنه لا يسعى لتصدير الثورة خارج سوريا، بل أوقف الخراب الذي نشأ نتيجة تصديرها الخميني! يرسل هؤلاء تهديداتهم المصورة مما يثير الخوف ويهدد علاقات سوريا بالمنطقة ومنها مصر.
حاول نشطاء الإخوان وبعض أنصارهم توظيف الوضع السوري والتلويح بإمكانية عودة ثورات ما عرف بالربيع العربي، لتضاف لزلازل المنطقة الحاضرة والمنتظرة، وكانت مصر هدفا نصب أعينهم، وخدعتهم أمانيهم بأنها قد تشهد ما شهدته سوريا رغم اختلاف الحالين، فمصر غير سوريا، والدولة المصرية غير الدولة، والمجتمع غير المجتمع، وهم في ذلك يصطادون في الماء العكر دون مبالاة بسوريا ولا مصر.
تبرأ الشرع من مسؤوليته عن بعض من زاروه للتهنئة من عناصر جماعة الإخوان المسلمين الفارين لمصر، وأنه كان يستقبل الجميع دون تمييز بلا تحالف ولا دعم، ولكن استغل هؤلاء هذه الصورة فأرسلوا رسائلهم التحريضية للداخل المصري، فأثاروا المخاوف ووضعوا الإدارة الجديدة موضع الحرج، مثل الناشط عبد الرحمن يوسف وغيره، الذي قيل إن الإدارة السورية الجديدة نفرت من تصريحاته المحرضة ضد مصر والسعودية والإمارات، وأبلغت عنه الأمن اللبناني ليتم ضبطه بالمطار قبل مغاردته لمقره في تركيا!! كما كان قرار الإدارة الجديدة للشرع- الذي لم يعلن تسمية رسمية له بعد- بترقية بعض المطلوبين أمنيا في قوات الجيش السوري أمرا مثيرا ومحفزا لمزيد من المخاوف كذلك.
ورغم ازدياد حذرها، شاركت مصر أخواتها في المنطقة وأرسلت بعض المساعدات الإغاثية لسوريا، وتهاتف وزير الخارجية السفير بدر عبد العاطي مع نظيره السوري في الإدارة الجديدة، ولكن أخذت بعض الإجراءات الاحترازية بخصوص دخول السوريين، خاصة مع تجنيس المطلوبين، وبعض الإجراءات الأخرى.
جوهر الموضوع، هل ينجح السيد أحمد الشرع في تبديد هذه المخاوف الإقليمية بعامة، والمصرية بشكل خاص، من أن تكون سوريا ملاذا آمنا وبؤرة توحش لتصدير الإرهاب وليس فقط الثورة، هل يستطيع أن يحظر خطاب التحريض والإشعال الموجه من الداخل السوري، هل يسرع الخطى لتأسيس سوريا جديدة وقيادة مستقلة ليست ظلا ملتحقا بتركيا وإدارتها وأجندتها، كما كان بشار ظلا وملتحقا بإيران، وأن يؤكد أن سوريا أولا وللسوريين أولا.
أعلم أن المعضلات كثيرة والحمولة ثقيلة، من إرث تاريخي لا يطمئن الداخل ولا الخارج، ومن خطاب ووجوه لا تعبر عن الحرية التي أعلنت الإدارة الجديدة أنها تريدها، وحررت السوريين من سجونها، ولكن الحزم والعزم في سبيل رعاية مختلف مكونات المجتمع السوري وصوغ هوية وخطاب دولة ومرحلة انتقالية توافقية ترفض التحريض ضد الآخر أو الداخل.
لا شك أن الفرصة أمام الشرع ومن المؤكد أننا نؤمن بحقها.. ولكن نؤمن بأن العزم والحزم مطلوبان بشدة في الأوقات الحرجة، وكيلا يقع الحابل بالنابل، مع غواة التغيير وصياديه وفوضوييه.