لا تزال صورة الاستحقاق الرئاسي ضبابية، كذلك مشهدية جلسة الانتخاب الثانية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الخميس المقبل في 13 تشرين الأول الجاري، إن لجهة إمكانية أن تقاطعها كتل نيابية أو لجهة مشاركة «حزب الله» والكتل الحليفة له في هذه الجلسة بمرشح واحد بدلاً من استراتيجية الأوراق البيض، أو على مستوى المعارضة لجهة انتخاب مرشح واحد وهو النائب ميشال معوض أو استمرار تعنُّت نواب «التغيير» وبعض النواب السُنة. ويبدو أنّ معظم الأفرقاء السياسيين سلّموا بأنّ الفراغ حتمي والطبخة الرئاسية لم تنضج بعد.
لذلك تُطرح فرضيات عدة لمرحلة ما بعد انقضاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس في 31 تشرين الأول الجاري، ومنها، أنّ الفراغ الرئاسي قد يزيد من حظوظ وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى سدة الرئاسة الأولى، وذلك بتسوية خارجية - داخلية تنتج هذا الحلّ. لذلك بدأت تخرج تفسيرات واجتهادات على هذا المستوى، ومنها أنّه يُصبح بإمكان مجلس النواب انتخاب قائد الجيش من دون تعديل الدستور، وتحديداً المادة 49 منه، التي تنص على أنّه «لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في كلّ الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد».
هذا التفسير مفاده أنّ شغور منصب الرئاسة الأولى يُسقط المهل، وبالتالي يمكن انتخاب الموظفين المحددين في هذه المادة الدستورية حتى لو لم يستقيلوا من وظائفهم خلال السنتين السابقتين لتاريخ الانتخاب. ويستند أصحاب هذه النظرية الى الاجتهاد الذي قدّمه الوزير والنائب السابق بهيج طبارة حول هذه المادة لبري، بعد شغور منصب الرئاسة اثر انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، فأخذ بري بهذا الاجتهاد في جلسة انتخاب الرئيس ميشال سليمان، من دون تعديل الدستور، وعلى رغم عدم استقالة سليمان من قيادة الجيش قبل سنتين.
إلّا أنّ عدداً من الدستوريين يعارضون هذا التفسير، لأنّ الدستور واضح في المادة 49، وينصّ على أنّ موظفي الفئة الأولى لا يمكنهم الترشح الّا بعد انقضاء مهلة معينة على تركهم الوظيفة. وبالتالي إنّ هذا التمانع مبدئي ولا يقتصر على المهلة الدستورية بل يمتد الى ما بعدها، إذ إنّ منطلقه أنّ موظف الفئة الأولى قد يكون استفاد من موقعه لوصوله الى الرئاسة، فكيف يُعتبر أنّه مستفيد خلال مهلة الشهرين وبعدها غير مستفيد؟ كذلك يستند الداعون الى إمكانية انتخاب قائد الجيش بعد انتهاء المهلة الدستورية من دون تعديل الدستور، انطلاقاً من سوابق انتخاب لحود وسليمان، وأنّه إذا انتُخب رئيس ولم يُقدَّم طعن بهذا الانتخاب بعد مرور 24 ساعة على وصوله، يُثبّت انتخابه ولا تعود المخالفة قابلة للطعن وتصبح أمراً واقعاً.
لذلك من المُستبعد أن يحصل تعديل للدستور لانتخاب قائد الجيش، إذا جرى التوافق على اسمه رئاسياً، خصوصاً أنّ تعديل أي مادة من الدستور لا يزال يُعتبر أنّه «تابو» في لبنان، لأنّه يفتح باب التعديلات على مصراعيه ما قد يُطاول الصلاحيات ويفتح نزاعاً قد لا ينتهي إلّا بتعديل «اتفاق الطائف» برمته، فضلاً عن أنّ تركيبة مجلس النواب الحالي لا تسمح بذلك.
إنطلاقاً من ذلك، بدأ البعض يُسوّق أنّ قائد الجيش يمكنه إعلان ترشيحه بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 من الجاري، وبالتالي يُمكنه تسويق نفسه داخلياً وخارجياً، فهل يُقدِم على ذلك؟
هذا الأمر غير وارد، ولا يُمكن أن يُعلن العماد جوزاف عون ترشيحه للرئاسة في أي مرحلة أو توقيت، وفق مصادر مطّلعة. وفي حين لم يأتِ وقت تنفيذ هذا السيناريو والبحث الجدّي مع قائد الجيش في انتخابه رئيساً للجمهورية، يعتبر العماد عون أنّه غير معني بالموضوع الرئاسي، ويبقى تركيزه الأساس على وضع الجيش وعلى التحدي الأكبر الذي تواجهه المؤسسة العسكرية والمتمثّل بالأمن الاجتماعي، في حين ينشغل المسؤولون بتحسين مواقعهم ومصالحهم، وتركوا الجيش يواجه لوحده مسؤولية توفير الأمن والاستقرار، على رغم أنّ العسكريين يعانون كسائر المواطنين من الأزمة الاقتصادية - المعيشية.
راكيل عتيّق - نداء الوطن