لقمان سليم و

تأتي الذكرى الرابعة لاغتيال رفيق الأرض والنضال الصديق لقمان سليم في خضم تغييرات محورية يمر بها لبنان وشيعته، وهي تغييرات تجعل من شهادة لقمان ونضاله لبناء وطن يليق بكل أبنائه، وعلى رأسهم الشيعة، حلماً لأكثرية اللبنانيين - أو لربما كابوساً للبعض - قابلاً للتحقيق. وبالرغم من التحديات الجسيمة، لا سيما محاولات "حركة أمل" وما تبقى من "حزب الله" إبقاء الجماعة اللبنانية في حال من القلق والخوف الوجودي ومنعها من العيش في المستقبل.

ما حدث الأحد الفائت من زحف "الأهالي" إلى قراهم الجنوبية، بتكليف شرعي وسياسي من "الحزب"، وما تلاها من مسيرات "فتنوية" بالدراجات النارية في شوارع العاصمة بيروت لتخليد هذا "الانتصار" بالمباشر وفرض الخوف على اللبنانيين بغير المباشر، يؤكد صوابية طريقة لقمان في مقاربة إنقاذ شيعة لبنان من أنفسهم. كانت طريقته قائمة على المصارحة الشاملة والاعتماد على مبدأ "الحب القاسي" (Tough Love)، بعيداً من التزلف والمواربة، رافضاً فكرة أن شيعة لبنان محكومون بنزعة قادتهم الانتحارية، أولئك القادة الذين عشق بعضهم الشهادة، فيما عشق الآخرون الفساد والسلطة حتى الثمالة.

في محاضرة شارك فيها لقمان في شباط 2018 تحت عنوان "تفكيك شيفرة حزب الله"، ختم مداخلته بطريقة صادمة ومعهودة في صرامتها، حيث أجاب على أسئلة كان يخشى كثيرون التفكير فيها، حتى في الخفاء:

"هل يمكن اليوم محاصرة "حزب الله" عسكرياً فقط؟ بالطبع لا. ولكن هل يجب محاصرته عسكرياً؟ نعم.

السؤال التالي: هل يمكن القيام بذلك من دون التسبب بأضرار جانبية؟ وجوابي هو لا. هذه الأضرار الجانبية ستقع على لبنان وعلى الشيعة.

لا بل، خليني أختم: بتعرفوا الحديث الذي يقول: الناس نيام إذا ماتوا استفاقوا؟ أخشى أن الشيعة اليوم بحاجة لنكبة لكي يستفيقوا مما هم فيه".

"علينا الاستنتاج بأن الحفاظ على استقرار لبنان ومحاربة "حزب الله" هو تناقض لغوي، لأنه لا يمكن محاربة "حزب الله" من دون المخاطرة بما يسمى الاستقرار في لبنان".

هذه الكلمات لم تكن دعوة للدمار، بل كانت محاولة لكسر القناع الزائف الذي يرتديه "حزب الله" أمام الشيعة. كانت تحذيراً بأن استمرارهم في هذا المسار الانتحاري لن يؤدي إلا إلى المزيد من الكوارث، وأن النكبة التي يتحدث عنها لقمان قد تكون الفرصة الوحيدة لاستفاقة حقيقية.

لو نجا لقمان من قتله بعد اختطافه من مناطق سيطرة "حزب الله"، لوقف ليذكّر اللبنانيين، ولا سيما الشيعة منهم، بأن عودتهم إلى قراهم وإعادة إعمار الجنوب والضاحية لن تتم بشروط هذا "الحزب"، أو أن أيران بمرشدها و"ظريفها" سترسل الطائرات المحملة بالدولارات، بل إن الحل لهم يأتي عبر استعادة الدولة اللبنانية سيادتها الكاملة.

كان ليضيف، دون قفازات أو مواربة، بأن العراضات المستمرة والغزوات لشوارع القبائل اللبنانية الأخرى لن تغيّر من الواقع السياسي. بل ستزيد من مستوى الحقد والكراهية الداخلية، وهو ما لن يجعل "الحزب" طرفاً مقبولاً في المعادلة اللبنانية، بل ستزيد من عزلته وتدفعه نحو المزيد من النكبات.

لقمان كان يؤمن بأن الوقت قد حان لشيعة لبنان كي يعيدوا تعريف علاقتهم بالدولة. بدلاً من الارتهان لمشاريع خارجية، يجب أن يعودوا إلى مشروع وطني لبناني شامل، لا يقف عند حدود الطائفة بل يتجاوزها ليعيد بناء الوطن بكامله.

ما يجري اليوم في لبنان، من سقوط رموز محور الممانعة وتحلل مشروعهم السياسي، هو تأكيد على صوابية رؤية لقمان. استذكار لقمان ليس مجرد فعل رمزي، بل هو دعوة لإعادة قراءة مشروعه الوطني ومشروع جماعة من الشجعان رفضوا النظام المذهبي العنصري، ورفضوا أن يصبح "هز الإصبع" أهم من الدستور والقانون. مشروع لقمان لم يكن فقط لتخليص لبنان من ميليشيات "حزب الله" والقلق الذي أدخله على حياة الشيعة، هو مشروع لتحرير اللبنانيين من فكرة الطوائف المغلقة، ومن أسر القادة الذين لا يرون في الشعب إلا وقوداً لمعاركهم.

في ذكرى اغتياله، يبقى إرث لقمان سليم شعلة تستحق أن تُحمل بجرأة، لأن الكفاح من أجل لبنان حر، سيد ومستقل، يبدأ أولاً بمصارحة النفس، ثم بالعمل الدؤوب لتغيير الواقع. لعل أصعب ما في معركة لقمان هو أنها معركة طويلة الأمد، تتطلب صبراً، وجرأة، وقدرة على مواجهة حقائق قاسية، لكنها في الوقت نفسه مليئة بالأمل لأن لبنان يستحق ذلك.

نداء الوطن

يقرأون الآن