يعمل رئيس مجلس النواب نبيه بري على الخط الرئاسي «عالهدا»، وكعادته لا يقول «فول إلّا تيصير بالمكيول». قريبون منه يؤكدون أنّه يريد رئيساً جديداً للجمهورية سريعاً، فهو «مشتاق يشوف الرئيس». وإذ تبقى دعوة رئيس المجلس الثابتة وكلمته الواحدة في عملية انتخاب الرئيس: التوافق، يوضح مطّلعون عن كثب على عمله ونشاطه، أنّ إصراره على التوافق لا يعني تأجيل إنجاز الاستحقاق بل هو مُنطلق من أنّ التوافق وحده يأتي بالرئيس المنشود وإلّا سيشهد البلد 6 سنوات جديدة أسوأ من سنوات العهد الحالي.
يبقى بري على التزامه الدعوة الى جلسات انتخابية على رغم عدم توافر هذا التوافق حتى ضمن الفريق الواحد، إن كان الثامن من آذار أو المعارضة. أمّا فريق بري فيعتبر أنّه ليس في عداد فريق معيّن، بل مع جميع الأفرقاء اللبنانيين، وليس بالضرورة أن يتفق مع «حزب الله» رئاسياً، وهذا ما حصل عام 2016، حين كان بري أبرز المعارضين لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وكان يعلم أنّ التسوية الرئاسية التي أتت بعون آنذاك لا يُعوّل عليها. وأثبتت الأحداث لاحقاً ذلك، إن على مستوى فشل التسوية بين عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري أو على مستوى «اتفاق معراب» بين عون وباسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. فلا التسوية مع الحريري دامت ولا «اتفاق معراب» طُبّق مع وصول عون الى كرسي الرئاسة الأولى.
قبل التسوية التي نُسجت بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي الذي فرضه «حزب الله» لإيصال عون، طرح بري «سلّة رئاسية متكاملة» تشمل الاتفاق على رئيس وحكومة برئيسها وحصصها وإصلاحات وحتى قانون انتخاب جديداً، وذلك لتأمين التوافق الوطني بحدّه الأدنى للرئيس الجديد لمواكبته في عهده لتحقيق بقية مكونات السلّة. إلّا أنّ «سلّة تفاهمات» بري والناتجة ممّا طرحه على طاولة الحوار في أيار 2016، جوبهت بالرفض من «التيار الوطني الحر» ومن فريق 14 آذار آنذاك الذي اعتبر أنّها سلّة «حزب الله» وتستهدف الوصول الى مؤتمر تأسيسي.
كذلك رفضت بكركي سلّة بري هذه على اعتبار أنّها غير دستورية وتمسّ بصلاحيات الرئيس، فكانت عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المدوية ضدّ «السلّة المتكاملة»، في تشرين الأول 2016، بحيث أكد أنّه «محظور القبول بتقييد أي مرشح رئاسي بسلّة شروط أو تفاهمات مسبقة لانتخاب رئيس للجمهورية». وسأل: «كيف يقبل أي مرشح للرئاسة الاولى ذي كرامة وادراك لمسؤولياته أن يُعرّى من مسؤولياته الدستورية بفرض سلّة شروط عليه غير دستورية وأن يحكم كأداة صمّاء...»، فردّ بري على الراعي بالقول: «بين سلّة للاشخاص التي اقترحتم وسلّة الافكار التي قدمتها في الحوار أترك للتاريخ أن يحكم أيّهما الدستوري وأيّهما الأجدى...».
التاريخ أثبت أنّ بري كان محقاً، بحسب ما يرى قريبون منه، ويعتبرون أنّ «الأطراف التي لم تجارِه آنذاك لعلّها باتت تدرك الآن تبعات عدم قبولها بالسلّة». فهل يُخرج بري سلّة 2016 الرئاسية في انتخابات 2022 أم يطرح سلّة جديدة تحمل تفاهمات تتطلّبها المرحلة المقبلة؟ وهل يقبل بها الأفرقاء الآخرون إن كانوا موالين أو معارضين؟
الإجابة على هذه الأسئلة غير متبلورة بعد، وتحتاج بعض «الانتظار». إلّا أنّ الأكيد أن سلّة بري الرئاسية لدورة 2022 تُفتتح بالدعوة الى التوافق على رئيس. وبالتوازي إنّ البعض من فريق بري يؤيد أن يطرح رئيس المجلس سلّة انطلاقاً من دوره في الحوار والتفاهم مع جميع الكتل النيابية نظراً الى موقعه الدستوري والسياسي، فهو «يحكي» مع الجميع.
ويعتبر هؤلاء أنّه ليس معقولاً أن يأتي «رئيس تحدٍّ» من أي فريق كان وإلّا سيواجه ما واجهه عون. فإذا لم يكن هناك بعض التضامن الوطني مع أي رئيس وشبه اتفاق على شكل الحكومة والمرحلة المقبلة، فـ»فالج لا تعالج». وإذ يعترف هؤلاء أنّ التوافق الداخلي يحتاج الى دعم دولي، يعتبرون أنّه يمكن إنجاز الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من توافق داخلي مع دعم دولي كما حصل في ملف الترسيم، وسيهنئنا «العالم كلّه»، كما هنّأنا بإنجاز اتفاق الترسيم. فإذا لم نخلع عباءة «العنتريات» و»نلبس» عباءة التوافق واللقاء، بحسب هؤلاء، لن يُنتخب رئيس في فترة معقولة.
لكن حتى الآن لا يزال القرار لدى اللبنانيين ويمكنهم التوافق على رئيس بحسب المصادر نفسها، خصوصاً في ظلّ توافق عربي ودولي على ضرورة انتخاب رئيس وضمن المهلة الدستورية، فغالبية الجهات الخارجية تحشر الأفرقاء اللبنانيين وتهدّد بـ»الويل والثبور وعظائم الأمور»، إذا طالت فترة الفراغ الرئاسي.
راكيل عتيّق - نداء الوطن