لا يبدو أن حركة حماس تقرأ الموقف الحالى على نحوٍ صحيح. هو موقفٌ يمكن تلخيصه فى جملة واحدة: الخسارات سوف تطال الجميع. الخسارات لن تلحق بحماس وحدها، ولا بالفلسطينيين من حيث هم بشر، ولا بقضيتهم العادلة، وإنما سيكون لدول المنطقة أيضًا نصيبٌ من الخسارات إن أصرّت حماس على السير فى ذات الطريق، واتباع نفس النهج. نحن لسنا فى وارد تحصيل المكاسب، ولكن تقليص الخسائر. من دون هذا الفهم البسيط للموقف، سنستمر فى مراكمة الخسائر فى دوامة تأخذنا جميعًا إلى الأسفل.
تبدو حماس مزهوة بمواكب انتصار تريد تثبيته، بينما الواقع ينطق بالمأساة. ليست فقط مأساة ما جرى لشعب فقد معيشته ومستقبله، ولكن مأساة قضية تتعرض لخطر الإلغاء والمحو. نحن هنا، اليوم، فى هذا المأزق الصعب، والتهديد الخطير لدول المنطقة الأكثر التصاقًا بالقضية الفلسطينية (مصر والأردن) بسبب نتائج الحرب. لا توجد طريقة أخرى لقول هذا، أو لتجميل الواقع.
أخطر هذه النتائج على الإطلاق أن النقاش حول فلسطين تبدل وتغير. لم يعد نقاشًا حول الاستقلال والدولة، وإنما هو نقاش حول بقاء الفلسطينيين على الأرض بأى ثمن لأن خروجهم منها هو ضياع لقضيتهم، وتخريب لاستقرار المنطقة، وجريمة تاريخية لا ينبغى أبدًا التورط فيها.
اقتراح الرئيس الأمريكى مفارق للواقع، وهو مرفوض من الجميع. غير أن رفضه له ثمن. الرفض مسار صعب، ولكن لا بديل عنه للدول العربية جميعًا، وليس لمصر والأردن وحدهما. ولكى تخوض الدول العربية هذا المسار، فإنها لا تحتاج فقط إلى الاتفاق على خطط بديلة تضمن بقاء الفلسطينيين، ولكن تحتاج أيضًا إلى ترتيب وضع جديد فى غزة، وضع أمنى وسياسى جديد، يسمح ببقاء الفلسطينيين على أرضهم، وتقبل به مختلف الأطراف التى سوف تسهم فى إعادة الإعمار. هذا الوضع الجديد، وبأى صورة كان، لا يمكن أن يشتمل على بقاء حماس فى المشهد.
لكى تبقى القضية على قيد الحياة السياسية، يتعين على حماس أن تتنحى. الأمين العام لجامعة الدول العربية قالها بعبارة صريحة، الأسبوع الماضى: «إذا كانت المصلحة الفلسطينية تتطلب أن تتنحى عن التواجد فى الصورة، فليكن».
خطط إعادة الإعمار، مهما كانت محكمة وعملية، لن يكون لها معنى مع بقاء حماس فى السلطة فى غزة. على حركة المقاومة أن تُدرك أن نتائج الحرب لا يمكن إلغاؤها بمجرد مواكب انتصار. عليها أن تُدرك- قبل فوات الأوان- أن حماس ليست فوق الناس، وأن القضية الفلسطينية لن يكون لها أى معنى من دون بقاء الفلسطينيين أنفسهم على أرضهم.
المصري اليوم