بعد مرور أكثر من عام ونصف على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بدأت تظهر بوادر انقسامات داخل صفوف حركة حماس، حيث برز تياران داخل الحركة؛ الأول متمسك بشرعية الهجوم وسلاح المقاومة، والثاني يدعو إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات السياسية والعسكرية.
وجاءت تصريحات موسى أبو مرزوق الأخيرة لتزيد من الجدل داخل الحركة، حيث أعرب عن موقف مغاير لموقف القيادة الرسمية، مما دفع الناطق باسم حماس، حازم قاسم، إلى التأكيد على أن هذه التصريحات لا تمثل الموقف الرسمي للحركة.
في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز"، أشار أبو مرزوق إلى أنه لم يكن ليؤيد هجوم السابع من أكتوبر لو علم بحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة، معبراً عن انفتاح قيادة حماس على مناقشة مستقبل السلاح في القطاع.
هذه التصريحات دفعت الحركة إلى إصدار بيانين متباينين؛ الأول نفى صحة التصريحات المنسوبة إلى أبو مرزوق، والثاني أكد أن المقابلة قد تم تحريفها واجتزاؤها بطريقة غير دقيقة.
مستقبل حماس
في إطار تحليل هذه التصريحات وانعكاساتها، قال القيادي في حركة فتح، جهاد الحرازين، في تصريح لسكاي نيوز عربية، إن ما قاله أبو مرزوق يعكس بشكل واضح حجم الخلافات الداخلية في حماس، سواء بين قيادتها في الداخل والخارج، أو بين التيارات المختلفة داخل الحركة.
وأضاف الحرازين أن هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها انقسام داخل الحركة، حيث سبق وأن برزت خلافات حول قضايا جوهرية مثل إدارة الحكم والعلاقات الإقليمية.
وأوضح الحرازين أن تصريحات أبو مرزوق قد تكون انعكاساً لمحاولة تقديم أوراق اعتماد جديدة إلى المجتمع الدولي، خاصة بعد الدعوات المتزايدة للحوار مع الولايات المتحدة.
وأكد أن هذه التصريحات تُظهر أن بعض قادة حماس بدأوا بإدراك العواقب الوخيمة لهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مشيراً إلى أن الواقع الحالي في غزة من دمار وأزمة إنسانية قد دفع بعض القيادات إلى التفكير في حلول بديلة.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، رائد نعيرات، فقد رأى في مداخلته عبر سكاي نيوز عربية أن هذه التصريحات تأتي في وقت حساس، حيث تحتاج الحركة إلى تقييم موقفها السياسي.
وأشار إلى أن حجم الدمار الذي أصاب قطاع غزة، بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية الصعبة، يفرض على حماس إعادة قراءة المشهد بطريقة أكثر واقعية. لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الأولوية اليوم يجب أن تكون لإنقاذ ما تبقى من القطاع، وإعادة الإعمار، وليس الانشغال بتصريحات قد تثير جدلاً داخلياً.
مواقف متباينة داخل الحركة
الخلاف داخل حماس لم يكن مجرد تباين في وجهات النظر، بل انعكس في مواقف متضاربة بين قياداتها. ففي حين شدد أبو مرزوق على ضرورة مراجعة سياسات الحركة، خرجت تصريحات أخرى من داخل حماس تؤكد على التمسك بالسلاح كخيار استراتيجي.
وذهب الحرازين إلى التأكيد على أن هذا التباين يشير إلى صراع بين جناحين داخل الحركة؛ أحدهما يحاول التكيف مع المستجدات السياسية، والآخر متمسك بالنهج القتالي التقليدي.
وفي هذا السياق، لفت نعيرات إلى أن حالة الدمار الحالية في غزة تفرض إعادة تقييم الأولويات، خاصة أن المجتمع الدولي يربط أي جهود لإعادة الإعمار بضرورة وجود حكومة فلسطينية موحدة قادرة على التعامل مع الأطراف الدولية.
واعتبر أن تصريحات أبو مرزوق قد تكون محاولة لفتح نافذة حوار مع القوى الإقليمية والدولية، لكنها في الوقت ذاته أثارت ردود فعل داخلية قوية.
غزة بين السلاح وإعادة الإعمار
مع استمرار الخلاف داخل حماس حول الموقف من السلاح، تظل التساؤلات مفتوحة حول مستقبل غزة، خاصة في ظل استمرار الحرب وتأزم الأوضاع الإنسانية. ويرى الحرازين أن الحركة باتت أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تعيد النظر في خياراتها السياسية والعسكرية، أو تستمر في النهج الحالي رغم الضغوط الدولية والإقليمية.
من جهته، أكد نعيرات أن الأولوية في المرحلة المقبلة يجب أن تكون لإنقاذ المدنيين وتأمين الاحتياجات الأساسية لسكان غزة، مشدداً على ضرورة العمل على تحقيق وحدة وطنية فلسطينية لمواجهة التحديات المقبلة. وأضاف أن على حماس أن تدرك أن المشهد الدولي لم يعد كما كان قبل السابع من أكتوبر، وأن هناك حاجة ماسة إلى رؤية سياسية أكثر براغماتية.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن تصريحات أبو مرزوق قد فتحت باباً واسعاً للنقاش حول مستقبل حماس، خاصة فيما يتعلق بسلاحها واستراتيجيتها في غزة، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل مواقف الحركة في الفترة المقبلة.