مصر وإيران.. المنافع والقيود

كانت العلاقات بين مصر وإيران أحد المحدّدات المهمة للتحالفات والانحيازات الإقليمية على مر الأزمنة، والتي كانت تعكس اختلافاً في الرؤى. وخلال العقود الأربعة الأخيرة انقطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما، ثم توقفت عند مستوى محدود، ومع ذلك لم تتوقف إيران عن المبادرة والسعي لاستعادة العلاقات بالكامل مع مصر.

ربما ما شجّع إيران هو أن الشرق الأوسط شهد تحولات في نمط التفاعلات الإقليمية في المنطقة، من حيث مراجعة السياسات السابقة لصالح سياسات أكثر براجماتية، والميل نحو التعاون والتفاهم، وهو ما يتجلى في تحسّن العلاقات الإيرانية الخليجية إلى حد كبير، ومع ذلك تظل العلاقات مع مصر عند المستوى المنخفض.

رغم التباعد الجغرافي بين مصر وإيران، فإن إيران تتحرّك إقليمياً في دوائر السياسة الخارجية المصرية ذاتها، كسوريا والعراق وغزة وباب المندب وحتى القرن الإفريقي.

هذا التباعد الجغرافي جعل البعض يعتبر أن التعاون ليس ضرورة مُلحة، كما أن مستوى التعاون الاقتصادي ضئيل لدرجة لا يستدعي معه تغيير مستوى العلاقات، ويمكن الاكتفاء بمستوى المحادثات الأمنية المرتبطة ببعض القضايا التى تمس الطرفين، مثل الأمن في البحر الأحمر وباب المندب والعلاقة مع الحوثيين، أو الأوضاع في العراق.

في الوقت الحالي تسعى إيران إلى إبرام اتفاق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل أعرب كثير من مسئوليها عن رغبتهم في المفاوضات المباشرة مع واشنطن، بدلاً من المفاوضات غير المباشرة التى تمت في الماضي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ترغب إيران في لعب مصر دور الوسيط بينها وبين واشنطن؟ وما الفوائد العائدة على الطرفين والقيود التي قد تقف أمام ذلك المسار؟

ربما كانت للعلاقات بين مصر وإيران أهمية كبيرة لدول المنطقة والقوى العالمية أكبر مما تمثله للطرفين، وبالأخص مصر.

ما يطرح التساؤل الآن هو المنافع التى قد تعود على الطرفين، لكن بالنسبة للطرف الإيرانى المنافع أكبر. لاسيما أن كثيراً من المحددات تخدم ذلك الهدف.

فمن جهة عملت إيران خلال السنوات القليلة الماضية على دعوة مصر لتحسين العلاقات الدبلوماسية، بما يشمل ذلك فتح فرص جديدة للعلاقات الثنائية في مجالات السياحة والاقتصاد، فالرؤية الإيرانية لمصر، دولة وشعباً، هي أن مصر دولة وريثة حضارة مثل إيران، وسبق أن صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن البلدين صاحبا تاريخ وحضارة، وأصر على أن «تعزيز التعاون والتنسيق» من شأنه في النهاية «أن يفيد المنطقة والعالم الإسلامي».

لذا عملت إيران في السنوات الأخيرة، في ظل حكومة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، على اتباع سياسة دول الجوار، التي استهدفت منها تحسين العلاقات مع دول المنطقة العربية، ودخلت في عدة جولات من الحوار مع مصر والسعودية، وقامت بتوقيع اتفاق المصالحة مع السعودية برعاية الصين، كما تحسّنت علاقاتها مع الإمارات، وصدر الكثير من تصريحات المسئولين الإيرانيين التى روّجت لمستوى جديد من العلاقات، ومنهم المرشد الإيراني، وخلال حضور الرئيس الحالي مسعود بيزشكيان في قمة منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، أشادت بعض الصحف بلقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، واصفة اللقاء بأنه «لحظة تاريخية»، بينما تحدّثت صحيفة إيران التي تديرها الحكومة عن «رياح الدبلوماسية من طهران إلى القاهرة».

المنافع ستشمل التأثيرات المحتمَلة لاستعادة العلاقات بالكامل مع التنسيق المحتمل بين القاهرة وطهران بشأن القضايا الإقليمية الرئيسية.

يمكن لمصر أن تلعب دور الوسيط بين إيران وواشنطن، ما سيُعزز دور مصر أمام واشنطن، ومصر ليست وسيطاً وشريكاً فقط في ما يخص القضية الفلسطينية. كما يمكن لمصر أن تدعو إلى حوار إقليمي يضم الأطراف الإقليمية، بما يضمن حل القضايا الخلافية ومشكلات المنطقة.

وبالنسبة لإيران، فإن تحسين علاقاتها مع مصر من شأنه أن يوفر لإيران سُبل توسيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية في المنطقة، بما في ذلك من خلال استخدام قناة السويس وزيادة صادراتها إلى مصر.

لذا فإن حالة الوفاق الإقليمي التى تسود المنطقة مؤخراً، شجّعت إيران لمحاولة التعاون البراجماتي في متابعة المصالح المشتركة، سواء الثنائية أو الإقليمية. كما تنظر إيران إلى تجديد العلاقات مع لاعب رئيسي في العالم العربي، مثل مصر، باعتباره إنجازاً سياسياً مهماً، يشير إلى تحول في ميزان القوى الإقليمي لصالحها. كما أنه مؤشر لها على القبول الإقليمي وسط جيرانها. تعي إيران مكانة مصر كقوة عربية مهمة تلعب دوراً رئيسياً في مواجهة تهديدات الأمن العربي.

من جهة أخرى، الفائدة التى تعود على مصر ربما لا تكون بقدر الفوائد لإيران، فمن جهة يمكن أن يكون أمن البحر الأحمر والحوثيين أهم الملفات المشتركة، وربما تنفتح مصر على شراء النفط الإيراني عبر العراق، شريطة رفع العقوبات الأمريكية، وربما يمكن التعاون من أجل العراق، لاسيما أن مصر أكدت كثيراً لإيران أهمية استقرار العراق. وكذلك يمكن مستقبلاً التفاهم بشأن عدم إحداث توترات للقضية الفلسطينية.

لكن هناك تحديات وقيوداً تواجه عودة العلاقات بالكامل بين الطرفين، مثل تحفظ مصر على سلوك إيران، واعتبار مصر أمن الخليج العربي جزءاً من الأمن المصري. ومن ثم تقلبات علاقة إيران لدول الخليج، هناك أمر آخر نجد أن إيران في العام الأخير ليست هي إيران التى نشطت إقليمياً وحرّكت كثيراً من ملفات وصراعات المنطقة، فيمكن القول إنها في حالة كمون استراتيجي الآن وتعمل على إعادة تقييم وضعها الاستراتيجي، حيث خرجت إيران من سوريا، فضلاً عما حدث في غزة وأضعف بالكامل حركة حماس، ومن ثم لا يمكن الحديث عن تأثير لإيران في غزة الآن، الملف الوحيد الذي تحشد له إيران كل طاقاتها هو الملف النووي والجلوس على مائدة التفاوض مع ترامب. كذلك من القيود حسابات الموقف الأمريكي وعامل أى تحرك تجاه إيران.

كذلك من القيود أمام أي تفاهمات أكبر بينها وبين مصر، هو سلوك إيران الإقليمي، فرغم حرص دول الخليج على تهدئة التوترات مع إيران وبحث مسارات التعاون، لكن يظل لدى إيران الرغبة في التحرك بمنطق شرطي الخليج، وتظل تعتبر السعودية منافساً لها في منطقة الخليج العربي.

في المجمل فإن استعادة العلاقات بالنسبة لإيران لها منفعة كبيرة في الداخل الإيراني وإقليمياً، أقل بالمقارنة مع المنافع التى قد تحصل عليها مصر، لذا تعتبر مصر أنه يمكن إدارة التفاهمات مع إيران كما في نفس مستواها، إلا أن الأهم أيضاً هو التوقيت، هل التوقيت مناسب لاستعادة تلك العلاقات بالكامل؟ وهل الوضع الاستراتيجي لإيران الآن يشجع على التقدم في العلاقات معها؟ لاسيما وهى تعانى حالة ضعف بفعل الهجمات الإسرائيلية على مدار عام كامل على أهداف إيرانية وعلى أذرعها في المنطقة.

الأمر المؤكد أن إيران التى تبدو حالياً تعانى من الضعف والتراجع أمام إسرائيل وواشنطن، لن تستسلم مستقبلاً، فهي تعمل الآن على إعادة تقييم وضعها الإقليمي، لأن إيران إحدى القوى الإقليمية المهمة في المنطقة، وينبع سلوكها الإقليمي من إدراك أن لها مكانة أكبر وهى غير راضية عن مكانتها الحالية، لذا ستُعيد إيران إعادة بناء قوة الردع أمام إسرائيل، وستُحاول البحث عن بدائل لما أصابها في سوريا ولبنان.

الوطن

يقرأون الآن