شهدت مناطق الساحل السوري الأسبوع المنصرم، تطوراتٍ متسارعة تأخذ أبعاداً متعددة، ما جعلها محور اهتمام وسائل الإعلام الغربية التي تتابع مجريات الأحداث عن كثب، وفي خضم المواجهات بين الجيش السوري والأمن العام من جهة، وفلول النظام المخلوع من جهةٍ أخرى، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجةٌ من المنشورات والصور والفيديوهات المضللة، التي انتشرت على نطاقٍ واسع، مستندةً إلى مشاهد مفبركةٍ وأخرى قديمة لا تمتّ للأحداث الجارية بصلة، بل تعود بعضها إلى مناطق خارج سوريا.
وقد أثار الاستخدام المكثّف للمعلومات المغلوطة تساؤلاتٍ حول الجهات التي تقف خلف هذه الحملات الإعلامية، وما تسعى إلى تحقيقه من خلال التشويش على حقيقة ما يجري في الساحل.
ومع تصاعد زخم التغطية الإعلامية، أبدت بعض الجهات الدولية مواقف تستحق الوقوف عندها، إذ تباينت ردود الفعل بين الإدانات والتحذيرات، وكان من اللافت صدور بيانٍ عن وزارة الخارجية الفرنسية، الذي حمل قلقاً "إزاء أعمال العنف الخطيرة التي وقعت في سوريا خلال الأيام الأخيرة في طرطوس واللاذقية"، وخلا من أي إدانةٍ لعمليات التصفية التي تعرّض لها أفراد من الأمن السوري على يد فلول النظام.
ماذا جرى في الساحل؟
اندلعت أحداث الساحل السوري قبل أربعة أيام، بعد تصاعد التوترات الأمنية في المنطقة، حيث رُصدت تحركاتٌ مشبوهة لعناصر مواليةٍ للنظام المخلوع، حاولت إعادة تنظيم نفسها لبثّ الفوضى واستهداف قوات الأمن العام، وخلال الأسابيع الماضية، ازدادت عمليات التسلل إلى بعض القرى والبلدات، ما دفع القوات الأمنية والعسكرية إلى تكثيف المراقبة والاستعداد لأي تصعيدٍ محتمل.
ومع ورود تقارير استخبارية عن مخططاتٍ لشنّ هجماتٍ على مواقع حيوية، بدأت الأجهزة الأمنية تحرّكاتٍ استباقية لضبط الوضع قبل خروجه عن السيطرة. وبعد ذلك، وقعت أولى المواجهات المباشرة بين قوات الأمن ومجموعاتٍ مسلّحة حاولت تنفيذ هجومٍ على نقطة تفتيش، مما أدى إلى اندلاع اشتباكاتٍ عنيفة أودت بحياة 13 عنصراً من قوات الأمن.
وسبق أن أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتفاع حصيلة قتلى هجمات فلول النظام المخلوع في منطقة الساحل إلى 147 قتيلاً، مشيراً إلى أن عمليات التوثيق لا تزال مستمرة.
وأوضح أن عدد القتلى من عناصر الأمن العام ارتفع إلى 121 شخصاً من جراء تلك الهجمات، إضافةً إلى مقتل 26 مدنيًا على الأقل، بينهم 7 أطفال و13 سيدة، في أعمال عنفٍ متفرقة، بعضها استهدف سياراتٍ تحمل لوحات تسجيل من إدلب، مضيفاً أن هذه الحصيلة ليست نهائية، إذ تستمر عمليات التوثيق، مع وجود مؤشراتٍ على أن العدد الفعلي للضحايا قد يكون أعلى، خاصةً في ظل ورود مقاطع مصوّرةٍ ووثائق جديدة من مناطق مثل بانياس.
وتحدثت مصادر حقوقية عن وقوع ضحايا من المدنيين في عمليات تفتيشٍ نفذتها فصائل ومجموعاتٌ عسكرية من خارج الجيش والأمن العام.
ومع تفاقم التوتر، دفعت الحكومة بتعزيزاتٍ عسكرية كبيرة إلى الساحل لاستعادة السيطرة ومنع انتشار الفوضى، وتزامن ذلك مع ظهور تقارير تفيد بأن بعض عناصر فلول النظام المخلوع استخدموا تكتيكاتٍ تمويهية بارتداء زيّ الأمن العام، ما أثار ارتباكاً في صفوف المدنيين والقوات الأمنية على حدّ سواء.
انتهاكات وموقف الحكومة
في غضون ذلك، وقعت بعض الانتهاكات في المناطق المتأثرة بالاشتباكات، حيث استغلّت مجموعاتٌ غير منضبطة حالة الاضطراب لتنفيذ أعمال نهبٍ وسلب، وهو ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءاتٍ صارمة بحق المتورطين، وتمكنت الجهات الأمنية من ضبط عددٍ من الأفراد واستعادة ممتلكاتٍ مسروقة، مع التأكيد على محاسبة أي شخص يثبت تورطه في هذه التجاوزات.
ولم تقتصر المواجهة على الأرض، إذ سرعان ما بدأت حرب إعلامية موازية، حيث عمدت حساباتٌ على مواقع التواصل الاجتماعي، يُعتقد أنها تدار من جهاتٍ منظمة، إلى تضخيم الأحداث عبر التركيز على مزاعم بوجود عمليات تصفيةٍ على أساسٍ عرقي وطائفي، متجاهلةً السياق الكامل لما جرى.
مع استعادة السيطرة تدريجياً، كثّفت الحكومة جهودها لضبط الأمن وإعادة الاستقرار، مؤكدةً أن عمليات ملاحقة بقايا فلول النظام المخلوع لا تزال مستمرة، بالتوازي مع فتح تحقيقاتٍ في التجاوزات التي وقعت، واتخاذ خطواتٍ لضمان عدم تكرار الفوضى. في المقابل، شهدت التغطية الإعلامية تحولاً في السردية، حيث انتشرت صورٌ وفيديوهاتٌ قديمة على نطاقٍ واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولةٍ لتضليل الرأي العام وإظهار الأحداث بطريقةٍ تتماشى مع أجندات فلول النظام.
كلمة حق تقال
تواجه الدولة السورية حاليا موجة من التمرّد المسلّح، ممّن يوصفون بفلول النظام السابق، في مناطق الساحل السوري، حيث تقطن الطائفة العلوية التي ينتسب لها الرئيس المخلوع بشار الأسد.
طبيعة الأحداث، والمعلومات الرسمية والمتواترة؛ تشير إلى أن تلك المجموعات المسلحة يقودها ضباط سابقون موالون لبشار الأسد، وهي تعمل بإيقاع منسّق، ومدعومة بالسلاح والمال من الخارج.
هذه الأحداث متوقّعة على أي حال؛ فالمتضرّرون من سقوط النظام السابق، والكارهون لسوريا الجديدة داخل البلد وخارجها كُثُر، وبالتالي ليس لهم مصلحة في استقرار الأمر للإدارة السورية الجديدة التي تشكّل لهم خصمًا وعدوًا.