لبنان

تفاصيل العرض الأميركي للبنان: اتفاق هدنة وتفاوض دبلوماسي

تفاصيل العرض الأميركي للبنان: اتفاق هدنة وتفاوض دبلوماسي

لم يعد التصعيد في الجنوب مستجداً. منذ وقف إطلاق النار تستمر إسرائيل في الاعتداء، بما يشكل امتداداً للحرب بأشكال مختلفة. وهو يستمر بشكل جديد ليكون امتداداً للحرب التي فتحتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد الحوثيين. لكأن المعركة الكبرى مع إيران لا تزال مفتوحة بالواسطة، على الرغم من الحديث عن تبادل رسائل أو مفاوضات. بالعودة إلى الجنوب، فإن الغريب هو السكوت الضمني على الاعتداءات التي نشهدها. فهل هو نتيجة تغيير موازين القوى بوجود غالب ومغلوب حتى بات السكوت أضعف الإيمان، أم أن الدولة والثنائي معاً مدركان أن ما تمارسه إسرائيل بحق لبنان يأتي بمثابة "حق" أعطي لها نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار، وأن الترتيبات المتفق عليها تنص على أن لإسرائيل أن تضرب أي هدف ترتأيه ولفترة زمنية طويلة، وتحت عنوان الدفاع عن النفس. وهل أن ذلك مرتبط بجنوب الليطاني فقط أم بشماله أيضاً؟ وهل يندرج ضمن ترتيبات فرنسية وأميركية وافق عليها لبنان، وكانت نتيجتها اتفاق سري أميركي إسرائيلي يمنح إسرائيل حق التصرف العسكري أينما كان على الأراضي اللبنانية، بذريعة تدمير سلاح حزب الله وإزالة الخطر عن شمالي إسرائيل.

الأرجح أن يكون هذا هو الاتجاه الإسرائيلي تحت هذا العنوان، لخلق منطقة محروقة غير قابلة للسكن، بمثابة المنطقة العازلة بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان. وهو ما يعد احتلالاً بالنيران وليس بالوجود العسكري المباشر. وما نقاط الاحتلال الخمس إلا تثبيت لنظرية إسرائيل بوجود غالب ومغلوب، ومحاولة لطمأنة سكان إسرائيل الذين لم يعودوا إلى مستوطناتهم بعد. ولذا تصر إسرائيل على القضاء على أي مظهر من مظاهر الحياة على القرى الحدودية. يحصل كل ذلك بينما يتصرف لبنان على قاعدة لا حول ولاقوة، ويشكو أمره للجنة المراقبة التي تترأسها أميركا. لكأن اللجوء إلى الأمم المتحدة بات محرماً عليه.

تترافق الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية مع عروضات لها طابع الإغراء بالنسبة إلى لبنان، أي التفاوض على الانسحاب بعد قبول لبنان بحزمة شروط، منها ترسيم الحدود وإعادة الأسرى والشروع في مفاوضات دبلوماسية وليس عسكرية فقط، وضمن آلية تختلف عن لجنة اجتماعات الناقورة. وهذا يعني فتح الباب أمام الضغط على لبنان لتقديم تنازلات جديدة من الدولة اللبنانية: القبول بترسيم الحدود البرية، فتح باب جديد للحصول على تنازلات محددة من الدولة وعلى صلة بالنفط أو البر. مجرد البحث بترسيم الحدود البرية يعني الخروج عن اتفاقية الترسيم الموقعة عام 1923 حين كان لبنان دولة ناشئة ولم يكن هناك دولة إسرائيل، ووقعت بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وفرنسا المنتدبة على لبنان. مجرد القبول بمفاوضات الترسيم يعني إعادة النظر بالحدود المرسمة بموجب هذه الاتفاقية، وهذا ليس لصالح لبنان، ويعني أن إسرائيل تريد نقاطاً محددة داخل الأراضي اللبنانية وبموافقة الدولة، أي إعادة الترسيم بما يمنح مكتسبات لإسرائيل. ذلك أن الحدود البرية مرسمة ولا مشكلة حولها ولبنان يعرف حدوده، وكان الحديث في البحث عن حق لبنان في 13 نقطة مختلف حولها، فضلاً عن الخلاف حول هوية مزارع شبعا، وهو بين لبنان وسوريا.

نحن أمام وضعية غير مريحة للبنان، تتلخص باستمرارية عمل آلة الحرب الإسرائيلية، بما يؤكد التفوق العسكري وسياسة الغالب المغلوب وحرب البيوت والمزوعات، للتأكيد على أن الأرض المحروقة هي مساحة حدودية تريدها إسرائيل مقابل عجز لبنان عن مواجهة هذا الوضع، وجره إلى مفاوضات برية لا يمكن أن يخرج منها رابحاً، وبالتالي الابتزاز بتسليم سلاح حزب الله وتدميره وليس تسليمه للجيش، وإلا فلا تمويل ولا إعمار، لا بالجنوب ولا في في الداخل اللبناني.

تكشف مصادر ديبلوماسية لـ"المدن" أن الولايات المتحدة تقدمت من لبنان مؤخراً بطلب فتح مفاوضات ديبلوماسية مع إسرائيل خارج إطار اجتماعات الناقورة للاتفاق على ثلاثة بنود. وفي تفاصيل العرض أن المقصود عقد هدنة بموجب مفاوضات سياسية ديبلوماسية حول ثلاث نقاط أساسية وهي: الأسرى، وانسحاب إسرائيل من المواقع الخمس التي لا تزال تحتلها، وترسيم الحدود البرية.

وتوضح المصادر، أن المقصود بالمفاوضات الديبلوماسية وجود مفاوضين مدنيين إلى جانب العسكريين. وهو ما يعتبره لبنان قراراً يستوجب الشراكة في اتخاذه بين الرؤساء الثلاثة تجنباً لردود فعل سياسية أو تحميله لجهة على أخرى.

وتقول معلومات "المدن" إن الإدارة الأميركية عرضت على لبنان تشكيل لجان تفاوض دبلوماسي حول الأمور العالقة بينه وبين إسرائيل، على أن يسلم رده خلال مهلة أسبوعين. تتوزع هذه اللجان بين ملفات الأسرى والترسيم وتحرير النقاط الخمس. وفي ما يتعلق بالترسيم البري، تطرح إسرائيل، من ضمن العرض الذي تقدمت به، عملية مبادلة (swap) بين لبنان وإسرائيل لبعض النقاط.

قرار لا يتوقف على رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وإن كان يملك صلاحيات البت به. ولكنه شأن سياسي ومصيري يفترض الشراكة بشأنه. وتقول معلومات المعنيين إن القرار بشأن العرض الأميركي سيكون موضع تشاور ثلاثي الأبعاد بين رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة. وثمة من يعمل على إعداد صيغة وسط تجنب الانجرار المطلوب أميركياً باتجاه التطبيع وتؤمن تحقيق هذه المطالب.

تستشف المصادر الديبلوماسية أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتعاطيان على أساس أن حزب الله الذي رفض في السابق وجود تمثيل ديبلوماسي في لجنة التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، لم يعد مؤثراً في القرار بالنظر لتبدل موازين القوى. ومن خلال ترؤسها للجنة المراقبة كان واضحاً قرار الولايات المتحدة بأن يكون قرارها متقدماً في لبنان، وإصرارها على تراجع كل الفاعلين الدوليين والإقليميين في الملف اللبناني. وحسب التقارير التي تتلقاها الولايات المتحدة، فإن مسألة رفض التفاوض لم تعد عقائدية، حسب نظرة البعض، بعدما خرج حزب الله كمقاومة من المعادلة. ولكن مصادر رسمية تؤكد على أن لبنان يصر على تنفيذ القرار 1701 من ناحية إسرائيل، أي الانسحاب من النقاط التي لا تزال تحتلها وتحرير الأسرى كمقدمة لرد جوابه على العرض الأميركي. ولكن يبقى السؤال عن الثمن الذي سيدفعه لبنان مقابل رفضه التفاوض الديبلوماسي. وربما يكون المخرج بتعيين اختصاصيين في اللجان، كالمعنيين بأمور الترسيم من خارج المؤسسة العسكرية وممثلين للدولة للتفاوض بشأن الأسرى.

بين استمرار العدوان الإسرائيلي أو التجاوب مع المطلب الأميركي، يسعى لبنان للسير بين الخطوط الحمراء. تعليقاً، تقول المصادر الديبلوماسية عينها: "إن إسرائيل تتعاطى بفوقية وتجبر على لبنان من أجل عقد تفاهم ديبلوماسي معها، والدخول في مفاوضات مباشرة. وتسعى لتحقيق ذلك بالنار على خطي جنوب لبنان ومن ناحية سوريا. وما بين استمرار العدوان الإسرائيلي المتمادي أو الخضوع للشروط الإسرائيلية، يفترض أن يعد لبنان جوابه. وفي كلا الحالين لن يكون الوضع مطمئناً بحسب "المدن".

يقرأون الآن