تفرض التوازنات في مجلس النواب اللبناني توافقاً بين الكتل السياسية الممثلة فيه على انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس السابق ميشال عون، وهو ما تدفع نحوه كتل سياسية عريضة. ولا يبدو أن هناك إمكانية من دون هذا التوافق لملء الشغور الرئاسي القائم منذ مطلع تشرين الثاني الحالي، كون فلسفة «النظام التعددي» في لبنان، تقوم على «تأمين الميثاقية بنصاب المجلس» بين المسلمين والمسيحيين، حسبما يقول نائب رئيس البرلمان السابق إيلي الفرزلي، الذي يشدد على أن حماية اتفاق الطائف يجب أن تتصدر مهام الرئيس المقبل.
وينقسم مجلس النواب اللبناني مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويتشظى هؤلاء بين خيارات سياسية متعددة، يتقاطع بعضها مع بعض على ملفات محددة، ويتنافر في ملفات أخرى، ومن ضمنها الهوية السياسية للرئيس المقبل وقائمة مهامه. وبغياب تفاهم بين القوى السياسية، فشل البرلمان 6 مرات في إنهاء الشغور الرئاسي، فيما يعد البعض أن التوافق هو معبر ملزم لانتخاب رئيس.
ويقوم النظام اللبناني على «الديمقراطية التوافقية» التي تعني، وفق الممارسة اللبنانية، إعطاء كل فريق حق «الفيتو»، وتأمين حكم الأقطاب، والحكم بالنسبية، ما يحتّم التفاهم بين ثلثي القوى الممثلة في البرلمان لانتخاب رئيس، أو توافق نصفها على الأقل لتكليف رئيس للحكومة، أو تمرير قوانين أساسية. ومنذ توقيع اتفاق الطائف في نهاية التسعينات حتى عام 2018، غالباً ما كانت هناك أكثريات قادرة على حسم الملفات، وألغت إلى حد كبير المعارضة في الداخل، وعُطّل النظام الديمقراطي لأنه عطّل المحاسبة، قبل أن يتغير المشهد في عام 2018 مع اعتماد نظام الاقتراع النسبي الذي أنتج أقليات وأكثريات، وهو ما يفرض تفاهمات إضافية.
ويقول نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي لـ«الشرق الأوسط»، إن «العطب في قوانين الانتخاب السابقة القائمة على نظام الاقتراع الأكثري، جرى تصويبه في القانون الأخير، وهو، على علاته، صحح التمثيل المسيحي في المجلس إلى حد كبير»، ونقل المعارضة إلى داخل المجلس، وأثمر «ممارسة حقيقية» للنظام الديمقراطي بين أكثرية تحكم وأقلية تعارض.
لكن هذا المشهد، حال دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو واقع يعيده الفرزلي إلى «الانقسام الفعلي في المجلس في ظل معبر إلزامي يتمثل في تأمين حضور ثلثي أعضاء البرلمان، ما جعل المجلس عاجزاً عن إنتاج رئيس بأكثرية أو أقلية».
ويشدد الفرزلي على أن «فلسفة النظام التعددي تقوم على أساس تأمين الميثاقية بالنصاب بين المسلمين والمسيحيين، ما يعني أنه لا بد من التفاهم» بين المكوّنات، وفي ظل العجز عن التفاهم «يتطلب ذلك تفاهماً إقليمياً يؤكد إلزامية التزام الرئيس باتفاق الطائف وحمايته».
و«اتفاق الطائف» هو وثيقة الوفاق الوطني التي توصل إليها اللبنانيون في عام 1989 برعاية المملكة العربية السعودية، وانتهت على أساسها الحرب الأهلية اللبنانية، وكرّست المناصفة بين المسلمين والمسيحيين بمعزل عن الأعداد. ويطرح البعض فكرة تطوير النظام أو تعديله، فيما يعارض كثيرون ذلك، مطالبين باستكمال تطبيق اتفاق الطائف الذي بات الدستور الثاني للجمهورية اللبنانية.
ويؤكد الفرزلي أن «الخطر اليوم هو على اتفاق الطائف، وليس صراعاً على انتخاب رئيس»، محذراً من أن الغاية من محاولة خلق أعراف جديدة والتشكيك بالدستور وممارسته على مدى السنوات الماضية «تهدف إلى ضرب الطائف». ويدعو إلى تفاهم حول مبادئ أساسية تجعل رئيس الجمهورية المقبل هو «رئيس مهام».
ويوضح الفرزلي أن الدفاع عن اتفاق الطائف وتبنيه يجب أن يكون «أولوية والمهمة الأساسية» التي يلتزم بها الرئيس المقبل، إضافة إلى مهمات أخرى بينها «أن يكون قادراً على التحاور مع حزب الله حول سلاحه وطرحه للنقاش عبر استراتيجية دفاعية»، و«أن يكون قادراً على تصحيح العلاقة مع المملكة العربية السعودية ومع دول الخليج العربي بما تمثل كونها رئة لبنان التي يتنفس منها». وأضاف أن الرئيس المقبل «يفترض أن يمتلك أيضاً قدرة على التحدث مع سوريا لترسيم الحدود البحرية معها، ومناقشة ملف النازحين السوريين وحل هذه القضية»، كما يفترض «أن يكون مطمئناً للمسيحيين ولا يزيد من تبايناتهم». وقال إن هذه المواصفات «أراها بالمرشح سليمان فرنجية، أو أي شخصية أخرى تنطبق عليها هذه المهام».
ويحول الانقسام العمودي بين المكونات اللبنانية دون التفاهم على شخصية سياسية واحدة، ومواصفات واحدة، ومع مرور 6 جلسات للبرلمان، لم يتم التوصل إلى انتخاب رئيس جديد.
وفي هذا الإطار، قال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إن «القلق الذي ينتاب اللبنانيين في خضم هذه العاصفة التي ما زالت تستوطن بلادنا والمنطقة، يفرض على كل المسؤولين العودة إلى التعالي عن كل الخلافات، واعتماد لغة الحوار البناء، والعمل من أجل إعادة بناء دولتنا، والعيش فيها بسلام واستقرار لأنها الضامن الوحيد بعد الله».
نذير رضا - الشرق الأوسط