إقتصاد آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

ترامب و40 عاماً في حب التعريفات الجمركية

ترامب و40 عاماً في حب التعريفات الجمركية

«نحن نثق في غرائز الرئيس»، كانت هذه العبارة اللافتة إحدى طرق دفاع الإدارة الأميركية، عن التعريفات الجمركية غير المسبوقة التي أعلنها دونالد ترامب والتي اضطر إلى تعليقها مؤقتاً مستثنياً الصين، لكنها تكشف عن تاريخ طويل من إعجابه بها، لدرجة أنه في ثمانينيات القرن الماضي نشر إعلاناً مدفوع الأجر للمطالبة بفرض الرسوم الجمركية، معتبراً أنها قاعدة انطلاق مسعاه الرئاسي قبل أن يؤجل ترشحه.

وبحسب بعض المؤرخين، فقد زُرعت بذور خطط ترامب للرسوم الجمركية قبل عقود، عندما كان يُنظر إليه كمطور عقاري جرئ في نيويورك حيث كان العديد من عملائه من الأجانب الأثرياء، ما رسخ اعتقاده في أن نُظم الاقتصاد الأمريكي تسمح للآخرين بالاستفادة من أسواق الولايات المتحدة.

يقول نائب رئيس موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر خلال حلقة نقاشية عن ترامب: «طوال حياته المهنية، إذا عدنا إلى المقابلات التي أجراها في سبعينيات القرن الماضي كان يتحدث بشغف عن هذه القضية» وأضاف: «وقد حذّر في ثمانينيات القرن الماضي من انتقال جميع صناعاتنا الحيوية إلى اليابان آنذاك وحذر لسنوات من فقدان صناعة السيارات لدينا».

ولفترة من الزمن، تبلورت رؤيته للاقتصاد العالمي من خلال مبيعات الشقق في برج ترامب، كما ذكر في كتابه «فن الصفقة» الصادر عام 1987، حيث جاء المشترون الأجانب عندما كانت اقتصاداتهم قوية والدولار ضعيفاً، لكنه استطرد: «من المؤسف أنه على مدى عقود أصبح هؤلاء أكثر ثراءً إلى حد كبير من خلال استغلال سياسات تجارية أنانية لم يتمكن قادة أمريكا من مواجهتها بشكل كامل».

ـ إعلان مدفوع الأجر:

بدأ ترامب بالتعبير عن معتقداته الحالية بوضوح عام1987، عندما كان يفكر في الترشح للرئاسة، ثم أنفق 100 ألف دولار على إعلان وصفه بـ«رسالة مفتوحة» نُشر في صحف واشنطن بوست ونيويورك تايمز وبوسطن غلوب.

وخلال الإعلان صب ترامب غضبه آنذاك على اليابان، الدولة التي كانت تزدهر اقتصادياً وتزداد قوةً كمنافس، كما كان يراقب المصالح اليابانية وهي تشتري معالم اقتصادية أمريكية بارزة من بينها فنادق فاخرة وكتب يقول «إن اليابان ودول أخرى تستغل الولايات المتحدة»، مشتكياً من أن الجيش الأمريكي يتولى الدفاعات العسكرية بينما تنفق اليابان الأموال لبناء «اقتصاد قوي وحيوي يتمتع بفوائض غير مسبوقة».

ثم استطرد: «افرضوا الضرائب على هذه الدول الغنية، لا على أمريكا، أنهوا عجزنا المالي الهائل، وخفّضوا ضرائبنا، ودعوا الاقتصاد الأمريكي ينمو دون أن يثقل كاهله تكلفة الدفاع».

ـ تأثير صعود اليابان

وكتبت الاستاذة في كلية دارتموث جينيفر ميلر بحثاً في كيفية تأثير الصعود الاقتصادي لليابان على نظرة ترامب وقناعاته للاقتصاد العالمي وقالت ميلر: «اللافت حقاً في هذا الأمر هو مدى اتساقه في الماضي وحالياً».

وكثيراً ما وصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها ضريبة على الواردات تدفعها الدول الأخرى للولايات المتحدة، ويُظهر التاريخ أن هذه ليست الطريقة المُعتادة، حيث يدفع المستوردون الضرائب، ولكنهم غالباً، هم والمصنعون وتجار التجزئة، يُحمّلون المستهلكين الأمريكيين هذه التكاليف.

وتقول ميلر: «لم يكن ترامب يستخدم كلمة تعريفات جمركية، بل ضريبة على دول أخرى ونرى ذلك حالياً في فكرة أن دولاً أخرى ستدفع ثمنها وليس أمريكا، مع أن هذا هو ما يتوقعه معظم الاقتصاديين الآن».

ـ مقابلة مع أوبرا وينفري

ولا يعتبر ترامب الرسوم الجمركية أداةً بيد الكونغرس فحسب، بل أداةً بيد سلطة تنفيذية قوية، فبعد وقت قصير من نشره الإعلان الصحفي قبل نحو 40 عاماً، ذهب ترامب إلى نيو هامبشاير وانتقد النظام الضريبي بشدة وقال: «لقد سئمت من الأشخاص الطيبين في واشنطن.. أريد شخصاً حازماً يعرف كيف يتفاوض وإلا فإن بلادنا تواجه كارثة» وفي نهاية المطاف، تراجع ترامب عن ترشحه للرئاسة، لكنه واصل انتقاده للنظام التجاري العالمي.

وفي مقابلة مع أوبرا وينفري عام 1988 قال: «إذا ذهبتِ إلى اليابان الآن وحاولتِ بيع شيء ما، فانسي الأمر يا أوبرا، انسي الأمر تماماً، إنهم يأتون إلى هنا ويبيعون سياراتهم وأجهزة تسجيل الفيديو الخاصة بهم، ويدمرون شركاتنا تماماً».

وكما هو الحال الآن، لم يُلقِ باللوم على الدول الأجنبية لاستغلالها سياساتٍ مواتية، بل وجه اللوم إلى قادة الولايات المتحدة لسماحهم بحدوث ذلك.

ـ مهاجمة بوش الأب

وفي مؤتمر للطيران عام 1989 حيث وصف قادة الأمة بأنهم «أكبر حمقى في العالم» ودعا إلى فرض ضريبة بنسبة 20% على الواردات، قائلاً: «لماذا نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟ نحن نخدم هؤلاء الناس والنتيجة النهائية هي أنهم لا يحترموننا».

ثم استطرد قائلاً: «إن عبارة أمريكا ألطف هي الأسوأ»، في انتقادٍ حادٍّ للرئيس آنذاك جورج بوش الأب، الذي استخدم هذه العبارة محاولًا تدشين عصرٍ من اللباقة الوطنية في ظلّ مشهدٍ عالميٍّ متغير، فعلق ترامب: «إذا أصبحنا ألطف وألين، فلن يكون لدينا أمريكا».

ـ الحلفاء أيضاً

كما يفعل الآن، تحدث ترامب منذ سنوات مضت، عن أن الأمر لا يقتصر على الخصوم فحسب، بل يشمل الحلفاء أيضاً، قائلاً: « إنهم يستخدمون العلاقات الدبلوماسية المواتية للحصول على ميزة..» واشتهرت عنه العبارة: «لا تكن سخيفًا، إنهم يسخرون منا، لا يوجد أصدقاء في الاقتصاد العالمي، بل متنافسون فقط».

وحالياً يردد ترامب كثيراً: «أعرف ما أفعله»، محاولاً طمأنة الأمريكيين، كما يطلب منهم التحلي بقدر هائل من الثقة والصبر مع انطلاقه في مناورة فرض رسوم جمركية محفوفة بالمخاطر الاقتصادية، حتى لو علقها جزئياً، لكن في الواقع، تشير استطلاعات رأي جديدة إلى أن الأمريكيين عموماً لا يقتنعون تماماً بمبرراته ويخشون العواقب الاقتصادية وتفاقم التضخم.

ـ الولاية الأولى

اتسمت الولاية الرئاسية الأولى لترامب أيضاً بفرض رسوم جمركية، لا سيما على الصين، لكن العديد من الحواجز التي كانت قائمة قبل ثماني سنوات، بما في ذلك العديد من أعضاء مجلس الوزراء الذين عارضوا آراءه ونصحوه باتباع نهج مختلف، لم يعودوا موجودين وحل محلها أشخاص يتفقون إلى حد كبير مع رؤيته للعالم. ويقول مسؤولون في البيت الأبيض: إن الظروف قد تغيرت أيضاً، مع اقتصاد أقوى قادر على تحمل الاضطرابات التي تتطلبها خططه.

ويأتي مفهوم ترامب للرسوم الجمركية باعتبارها الحل السحري لسد العجز التجاري مع شركاء الولايات المتحدة ووسيلة لإنعاش التصنيع وتوفير آلاف فرص العمل، لكن التعريفات الكبيرة في ظل الثروات الطائلة والتحالفات التجارية الراسخة أحدثت دوياً دفع إلى التحذير من اضطراب الأسواق، مع خشية عدم الإلمام الكامل بآلية عمل التجارة العالمية بالنسبة لأمريكا وأن المسألة ببساطة، أن الشركات الأجنبية تحصل على الدولار في مقابل حصول الأمريكيين على المنتجات التي يريدونها.

وبعبارة صادمة، قال وزير الخزانة الأمريكية الأسبق لاري سامرز: «يدرك أصحاب النزاهة الفكرية في الإدارة الأمريكية أن الرسوم الحالية تعكس هوساً دام أربعين عاماً ولا يعتمد على أي نظرية اقتصادية مثبتة» وهو ما دفع إلى الاستشهاد بكلمات ترامب خلال تجمع انتخابي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024: «أجمل كلمة في قاموسي هي التعريفة الجمركية، أعتقد أنها أجمل كلمة ستُثري بلادنا».

يقرأون الآن