تبدي مراجع سيادية ارتياحاً ملحوظاً لمسار الحكم والحكومة لا سيما في ما خص التوجهات الإصلاحية، لكن هذا الارتياح يصبح نسبياً وعلى شيء من التحفظ حيال مقاربة أركان الدولة قضية حصرية السلاح بيد الدولة وتطبيق القرارت الدولية ذات الصلة.
وتقول: "لا نشك أبداً بنوايا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فهي نوايا طيبة وجيدة، لكن المطلوب حزم أكبر في مقاربة هذه المسألة، وعدم الوقوع في شرك التسويف والمماطلة وفق ما يسعى إليه فريق الممانعة، إذ يبدو أن حزب الله يعتمد كلياً على الرئيس نبيه بري في تدوير الزوايا وتأخير استحقاق تسليم السلاح، وهذا ما يتقنه رئيس المجلس الذي يحتفظ بقدرة ملفتة على المناورة، ويثبت أكثر فأكثر أنه رجل دولة استثنائي ولو من باب توظيف موقعه الرسمي لخدمة حسابات خاصة أو سياسية، فهو يعرف من أين تؤكل الكتف وإن اتخذ أداؤه طابع السلبية والتعطيل أحياناً".
ومع ذلك، يمكن للرئيس بري في الوقت عينه أن يُبرز الطابع الإيجابي لدوره في مسألة تسهيل الوصول إلى الهدف المنشود والمتمثل بحصر السلاح بالشرعية ومؤسساتها. وهذا ما يُعوَّل عليه، وما يُنتظر من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يوظفاه في الضغط لمعالجة المسألة في أسرع وقت وبالجدية اللازمة، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة، وقد تحرم التطورات الرئيس بري نفسه من القدرة على التأثير وتضاعف من معاناة البيئة الحاضنة لـ "الثنائي" وبنسبة معينة لسائر اللبنانيين.
وترفض المراجع السيادية الرهان على ضربة عسكرية لإيران، مبدية اعتقادها بأن الحلول آتية بضربة أو من دونها، انطلاقاً من المجال المفتوح ولو إلى حين أمام طهران لتتجاوب مع الأجندة الأميركية للحوار بما تحمل من شروط، وإدراك الإيرانيين أن الرئيس ترامب عازم على التطبيع في الشرق الأوسط، بالإقناع تحت الضغط أو بالقوة العسكرية مع الرهان على زعزعة الساحة الداخلية في إيران.
وتلفت المراجع نفسها إلى أهمية القراءة الدقيقة لموقف إدارة ترامب، لا سيما في أساسه المرتكز على قيادة المنطقة نحو حالة سلام أميركي Pax Americana وفق ما يحلم به سيد البيت الأبيض، ويشبه تاريخياً مرحلة السلام الروماني Pax Romana بالاستناد الى القوة والنفوذ وترتيب العلاقات بين الكيانات والشعوب تحت المظلة الأميركية.
على أن من المهم التوقف عند تفرد الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بلقاء سمير جعجع دون سواه من القادة السياسيين، في تأكيد على ضرورة متابعة ما يسوّقه رئيس حزب "القوات اللبنانية" من مواقف وملاحظات وما يطرحه الوزراء المحسوبون على "القوات" في الحكومة، انطلاقاً من أن تلك المواقف والطروحات عكست صدقية كبيرة إن لجهة النصح أو التحذير من وقائع قبل حصولها، أو لجهة مقاربة العناوين الحساسة بمنطق يجمع بين الصلابة والواقعية بهدف تجنيب لبنان المزيد من المآسي.
وفي سياق موازٍ، تكشف معلومات خاصة لصحيفة "نداء الوطن"، بقلم أنطوان مراد، أن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس زارت خلال جولتها الأخيرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعيداً من الأضواء والإعلام، وأن اللقاء تم بناء على رغبة أميركية وعلى نصائح معينة، لا سيما في ضوء ما بلغ واشنطن من حرص لدى سيد بكركي على تحييد لبنان، وأهمية إبداء ما يشبه التشجيع له في هذا التوجه.
وبحسب المعلومات، فإن اللقاء كان جيداً بشكل عام، لا سيما حول مبدأ الحياد الإيجابي، وعكس التقاءً على نقاط مهمة عدة أبرزها ضرورة استعادة سيادة الدولة وحصرية قرار الحرب والسلم والسلاح بيدها، وأهمية الإصلاحات لتوفير استقرار وازدهار مستدامين، لكن التمايز ظهر حول كيفية معالجة مسألة تطبيق القرار 1701 وحصرية السلاح، انطلاقاً من حرص البطريرك الماروني على التعاطي مع هذه المسألة "المطلوبة والحتمية" بشيء من الرويّة، بما لا يؤدي إلى انقسام خطر. لكن الدبلوماسية الأميركية علّقت بلغة مباشرة على خلاف اللغة الدبلوماسية التي اعتمدها البطريرك، فشددت على "ضرورة عدم إضاعة الوقت والفرصة، لأن العواقب ستكون مكلفة، فهل يريد اللبنانيون تحمل التبعات والمزيد من المصاعب في ما يخص مصالحهم واستقرارهم"؟
وفي الخلاصة، وكما يقول دبلوماسي مخضرم، لا تحكموا على المواقف الأميركية في ظواهرها، ولا تحكموا على أداء الرئيس ترامب إقليمياً من الزاوية الضيقة، لأن أسلوبه يشبه أسلوب التفاوض التجاري لمتموّل متمكّن، يطرح سقوفا عالية ليحصل على ما يريد، مقنعاً الآخر بأنه قدم تنازلات وتسهيلات، لكنه يكون قد حشر مفاوضه في خانة العجز عن رفض ما يُعرَض عليه. أما في ما يخص لبنان، فالقرار متخذ، ولأنه متخذ، لا يحتمل الكثير من الأخذ والرد، بل من الأفضل أن تتولى الدولة اللبنانية معالجة مسألة سلاح "الحزب" قبل مطلع الصيف كي لا يحل صيف حار وساخن يلفح بناره الجميع، نقلاً عن صحيفة "نداء الوطن" بقلم أنطوان مراد.