تُعد أشباه الموصلات، والتي يُشار إليها أحيانًا بـ"الرقائق الدقيقة" أو "الدوائر المتكاملة"، من المكونات الحيوية في العصر الرقمي الحديث.
وتصنع هذه الرقائق من شرائح دقيقة من مواد خام، أبرزها السيليكون، وتخضع لعملية تُعرف بـ"التنشيط"، والتي تسمح لها بالتبديل بين كونها موصلة وغير موصلة للكهرباء. هذه الخاصية تجعلها مثالية للعمل كمفاتيح إلكترونية تتحكم في تدفق التيار داخل الأجهزة الرقمية، وتشكل أساس "لغة الآلة" المبنية على الأصفار والواحدات الثنائية (0 و1).
استخدامات واسعة تمتد من الجيب إلى القلب
تدخل أشباه الموصلات في تصنيع طيف واسع من المنتجات، بدءًا من الهواتف الذكية وأجهزة الحواسيب المحمولة، مروراً بالمركبات الحديثة المزودة بأنظمة إلكترونية، ومفاتيح السيارة عن بُعد، وأجهزة الاستشعار، وصولاً إلى البنية التحتية للإنترنت مثل أجهزة التوجيه والمفاتيح الإلكترونية.
ولم تقتصر أهميتها على الجانب التكنولوجي فقط، بل باتت تلعب دوراً محورياً في الاستدامة البيئية من خلال استخدامها في توربينات الرياح ومزارع الطاقة الشمسية، كما أصبحت عنصرًا أساسيًا في مجال الرعاية الصحية، حيث تدخل في تصنيع الأجهزة الطبية المزروعة مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب ومضخات الأنسولين.
من يصنعها؟
تعتمد معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا والصين، بشكل كبير على تايوان في توريد أشباه الموصلات. وتُعد شركة TSMC التايوانية أكبر شركة في العالم في هذا القطاع، إذ توفر أكثر من نصف الإنتاج العالمي، وتخدم عمالقة التكنولوجيا مثل Nvidia وApple وMicrosoft.
هذا الاعتماد الكبير جعل TSMC في قلب ما يُعرف بـ"حروب الرقائق" بين الولايات المتحدة والصين، نظرًا للطابع الاستراتيجي والحساس لهذه الصناعة، وفقا لـ "BBC".
لماذا يسعى ترامب لفرض رسوم جمركية على الرقائق؟
في إطار توجهه نحو تعزيز الصناعة الوطنية، يسعى الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب إلى فرض رسوم جمركية جديدة على أشباه الموصلات المستوردة، ضمن سياسة "الرسوم المتبادلة" التي يراها وسيلة لتحفيز التصنيع المحلي.
وفي تصريحات أدلى بها مؤخرًا، أوضح ترامب أن الهدف هو "صناعة الرقائق وأشباه الموصلات وغيرها من المكونات الإلكترونية داخل الولايات المتحدة".
وأضاف أن هناك تحقيقًا مرتقبًا بشأن تأثير الواردات على الأمن القومي، في ظل القلق من اعتماد أمريكا على دول مثل الصين في سلسلة التوريد.
ورغم أن البيت الأبيض قد أعفى مؤقتًا بعض المنتجات، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، من رسوم تصل إلى 125%، إلا أن ترامب أشار إلى أن الوضع قد يتغير قريبًا.
كيف تخطط الولايات المتحدة لتعزيز تصنيع الرقائق محليًا؟
استثمرت الحكومة الأميركية مليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة لتعزيز إنتاج الرقائق محليًا، خاصة بعد تمرير قانون الرقائق الأميركي، الذي يمنح الشركات حوافز مالية لنقل التصنيع إلى الداخل الأمريكي.
استجابة لهذا التوجه، بدأت شركات كبرى مثل TSMC ببناء مصانع داخل الولايات المتحدة، أبرزها مصنع ضخم في ولاية أريزونا، حيث تعهدت الحكومة بدعم المشروع بمنحة تبلغ 6.6 مليار دولار.
ومع ذلك، واجه المشروع تحديات، أبرزها نقص الكفاءات الفنية والمهندسين، وهو ما تسبب بتأخيرات في الإنتاج. ووفق تقارير، لجأت TSMC إلى جلب آلاف العمال من تايوان لسد الفجوة.