مع إعلان السلطات الأردنية الأسبوع الماضي القبض على مجموعة من المتهمين في ثلاث تهم، تصنيع أسلحة ومسيرات وصواريخ، ما زالت القضية تتفاعل في الساحة الأردنية، وأيضاً تُسمع في الجوار العربي. الأردن لها أهمية خاصة في الأمن القومي العربي، لذلك، فإن أهمية الأمن فيها مضاعفة. هي بلد يجاور ساحات ساخنة، تجاور إسرائيل التي تخوض حرباً، وتجاور سوريا التي تكاد تتعافى من وضع سياسي عضال، وتجاور العراق وما فيها من صراع.
التقارير تذكر أن المجموعة لها علاقة بتنظيم الإخوان. وقد كان الأردن من الساحات التاريخية، فثاني تنظيم في البلاد العربية بعد مصر، تم في الأردن عام 1945، وحصل على ترخيص قانوني عام 1953، إبان بداية الحرب العربية الباردة بين ثوريين وتقليديين، وتأرجحت علاقته بالسلطة الأردنية بين مد وجزر، من التعاون إلى العداء، وتم سحب شرعية التنظيم عام 2015، وأصبح يشار له بـ (التنظيم المحظور)، إلا أن قريباً منه، شكّل حزب العمل الإسلامي، وشارك في الانتخابات الأخيرة 2020، وتنتهي صلاحية المجلس المنتخب هذا الشهر أبريل 2025.
نسبة المنتخبين من هذا التيار في الانتخابات الأردنية المتعاقبة، تتراجع لأسباب مختلفة، منها تركيبة الشعب الأردني الوسطية، ومنها أيضاً الأعمال التي تشاهد في الجوار العربي لمثل تلك التنظيمات المستندة على مفاهيم دينية تركز على استدعاء أفكار ضاربة في القدم، لتوظيفها في مجتمعات مختلفة المعطيات تماماً.
حتى المجموعات التي نجحت لأسباب مختلفة في الوصول إلى السلطة، والمنتمية إلى ذلك الفكر، في بعض البلاد العربية، فشلت في إدارة الدولة الحديثة، تراجعت التجربة في مصر، وفي السودان أدت إلى ما نشاهد من احتراب مجتمعي أكل الأخضر واليابس، ويهدد بتقسيم البلاد، وتراجعت في شمال أفريقيا، كما حدث في تونس، وأيضاً في المغرب، وفي الأخيرة كسب حزب العدالة والتنمية المستند على نفس الفلسفة الانتخابات عام 2011، وخلال حكمه، في عقد واحد، خسر في الانتخابات اللاحقة 2022 أكثر من تسعين المئة من مقاعده، فتراجع من 125 مقعداً، إلى 13 مقعداً فقط.
بالعودة إلى المجموعة الأردنية، نشاهد أن في مجموعة 16 المقبوض عليها بالتهم التي أعلنت، أن بعضهم خريجو جامعات مميزة، وبعضهم يعمل في الأعمال الحرة، ووصل إلى سن متقدمة نسبياً، أي المفروض أنه حصل على مناعة بشكل ما من تهور (المراهقة)، وهذا يطرح سؤالاً منطقياً، حتى لو صنعتم عدداً من الصواريخ والطائرات المسيرة، ماذا أنتم فاعلون بها؟، لم يتوقف أحد منهم ليسأل نفسه ذاك السؤال. طبعاً هنا يدخل الإغراء الخارجي، وربما بعض المال، لارتكاب مثل تلك الحماقة، وتوريط الجميع في مستنقع الشطط.
ليس الآن وقت كيل اللوم، الوقت وقت التفكير الجاد في قلع أسباب الانحراف الفكري لدى بعض الشرائح العربية، سواء في الأردن أو في بلاد عربية أخرى، وهو تلبيس السياسي ثوباً دينياً.
عدد من الأسباب تؤدي إلى تلك الحالة، منها نقص الوعي ونوعية التعليم، وبخاصة في المراحل الحرجة من سن الشباب والمراهقة، حيث تلتقط تلك التنظيمات أعوانها، وتصرفهم في هذا السن المبكرة عن التفكير المنطقي، وتقدم لهم إجابات شاملة عن تساؤلاتهم، منقولة ومنتقاة من التراث، نقص مناهج التعليم من إتاحة التفكير النقدي، خاصة في ما يقدم من قصص التراث، تنتج الإنسان ذا البعد الواحد، خاصة إن كان ذلك الإنسان قادماً من تنشئة اجتماعية ترى في الآخر المختلف، هو العدو! الإحساس بالانتماء عامل آخر يجذب الشباب للانخراط في تنظيمات تشبع لديه حاجة الإنجاز، وهي من أعمال الدولة في إيجاد نشاطات رياضية واجتماعية وفنية لهؤلاء الشباب كي يعبروا عن ذواتهم بعيداً عن الانتماء القسري، وربما أيضاً إعادة النظر بجدية لما يذاع ويشاهد من مفتين يقولون للناس قولاً بعيداً عن العقل.
البيان