الأردن خطٌ أحمر، وأمنه واستقلاله وسيادته على أراضيه واستقراره السياسي والأمني، خطٌ أحمر، لا للمملكة الأردنية فحسب، بل وللمملكة العربية السعودية ولمصر ولدول الخليج والدول العربية، ومع إعادة ترتيب توازنات القوى في المنطقة وإعادة التموضع الجارية عبر أحداثٍ كبرى فإن الأردن يجب أن يبقى متماسكاً وقوياً.
تاريخياً وسياسياً، فلكل مرحلةٍ رموزها وسياساتها، والقوى المؤثرة فيها، وبعيداً عن التاريخ القديم فقد استطاع الملك عبدالله الثاني بناء دولة حديثةٍ استطاعت تجاوز كل الأزمات الإقليمية والدولية خلال ربع قرنٍ من توليه سدة الحكم في الأردن، وكان على الدوام قادراً على بناء العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية التي تحمي مملكته، وواعياً بالتحديات التي تحيط بدولته وتهدد مواطنيه وتجبره على رصد سريعٍ للتغييرات الإقليمية والدولية.
قرر الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية حل «جماعة الإخوان» في الأردن 2025 وقد تبع في هذا دولاً عربيةً حليفةً سبقته لهذا القرار التاريخي الذي يحسب له مثل السعودية ومصر والإمارات ويحسب له أكثر أنه كان من أكثر الحكام المستنيرين صبراً وحكمةً في التعامل مع هذه الجماعة على الرغم من وعيه القديم بخطرها على دولته ومملكته وشعبه وانتمائها لمحاور إقليمية لا تكن الخير للأردن ولا للدول العربية.
في العام 2004 استخدم العاهل الأردني مصطلح «الهلال الشيعي» لوصف محورٍ إقليمي كان آخذاً في التمدد والانتشار، وقد صدقت رؤيته بشكلٍ زاد عن التوقع وفاق التصور، وكانت إحدى أدوات ذلك المحور «جماعة الإخوان» في الأردن المختلطة بـ «حركة حماس» في فلسطين.
العلاقات المعقدة تفرض على الدول سياسياتٍ تشبهها، وهكذا جرى في الأردن على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، والحديث عن النموذج الأردني يحتاج تفاصيل كثيرةٍ وتحليلاتٍ واسعةٍ لما جرى ويجري لتفسير اتخاذ الأردن للقرار الأخير بشأن «جماعة الإخوان» لديها، حتى يعلم الجميع مقدار الصبر والحكمة الذي تعاملت به الدولة مع هذه الجماعة.
في العام 1995 تقريباً كان كاتب هذه السطور في العاصمة الأردنية عمّان وحضر محاضرة لإسحاق الفرحان في «مخيم الفاروق»، وكانت محاضرةً حزبيةً «إخوانيةً» لشدّ عصب التنظيم ومواجهة «اتفاقية وادي عربة» بين الأردن وإسرائيل ومن قبلها «اتفاقية أوسلو» بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وحينها كانت مواجهةٌ أخرى مشتعلةً من جهة «جماعة الإخوان» للتصدي لفتوى الشيخ «ابن باز» المفتي السعودي المعروف، بجواز الصلح الدائم مع إسرائيل، وسجلت جماعة «الإخوان» الأردنية «ندوة» للرد على تلك الفتوى شارك فيها الدكتور «بسام العموش» الذي ترك الجماعة لاحقاً، وكانت توزع في أشرطة فيديو في كثيرٍ من الدول العربية ومنها اليمن.
من حق الصحافي والكاتب أن ينشغل بالحدث اليومي والعاجل وما تتناقله وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي بينما يعنى المحلل أو المختص بقراءة التاريخ ورصد السياسيات المتناقضة وصراع الأيديولوجيات المتصارعة ومقارنة النماذج ليعرف الصلات التي تربط بين المختلفين، والخلافات التي تفرق بين المتفقين، وهنا يكمن جزء مهمٌ من قراءة السياسة.
الأردن دولةٌ تعاني اقتصادياً بسبب شح الموارد وقلة الإمكانيات، ومع ذلك فقد تعرضت على الدوام لهجراتٍ متتاليةٍ جعلتها دائماً ولعقود من الزمن ملجأً وموئلاً لعددٍ من الشعوب العربية، من فلسطين والعراق وسويا واليمن، ولهذا فإن دول الخليج الواعية والمعتدلة في السعودية والإمارات والكويت تقف دائماً بجانبها، بينما سعى المنخرطون في محاور إقليمية وسياسياتٍ دوليةٍ للإضرار بدولتها، محاور ودولاً وجماعاتٍ.
الأردن حين جدّ الجدّ وأصبح الخطر يهدد الدولة والشعب بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ لم تجد بداً من اتخاذ القرار التاريخي بحظر جماعة «الإخوان».
الاتحاد