هي عملية مركبات نتنياهو وحماس

خطة الحرب المفترضة القادمة في غزة "عملية مركبات جدعون"، بقصد حسم المعركة وفق الإعلان الإسرائيلي، يثير الاسم والكلمات باستغراب فكاهية الأسئلة، فالإخوان يختفون خلف رايات الجهاد واسترداد مجد الخلافة، وعلى شاكلة الطيور المهاجرة يكتشف نتنياهو ارتداء ثوب جدعون الذي حرر بني إسرائيل من ظلم المديانيين، بحسب العهد القديم، وكل ذلك لعله يمسك بما يبقيه.

لكن الإخوان ليسوا خلفاء الخلافة، ولا نتنياهو هو وريث جدعون، فتلك أمم قد خلت، غير أن مسألة عبور نتنياهو والإخوان من المستنقع الذي جلسوا فيه، باتت تحتاج ثوباً يستر هذا الوحل، وبالتالي يحاولان استدراج الأديان إلى المكانة التي لن تكون فيها من جديد، فالقضايا السياسية كان السابقون يستغلونها تحت عباءة الدين ما قبل الوثنية الأولى، حتى إذا انتهت الحروب عاد الفرسان بما ربحوه، وحملت شعوبهم أوزار الحرب.

فالميثاق الوطني الفلسطيني منذ النسخة الأولى ثم تعديلاتها لم يذكر صراعاً دينياً بين اليهودية والإسلام، على نقيض الإخوان المسلمين والذين منذ تكوين حركة حماس ذراعهم في الجسد الفلسطيني، كانوا قد ابتدعوه صراعاً دينياً بامتياز، ما يعكس جوهر الاختلاف بين الميثاق الوطني الفلسطيني والفكر الإخواني الدخيل، وبالتالي جذور الانقسام الفلسطيني، مع حالة الوعي المجتمعي الفلسطيني الذي سبق الاختراق الإخواني، في توصيف حقيقي للصراع، ولم يكن ذلك عبثاً بقدر ما هو حقيقية تاريخية، كان لها شبيه أول، عندما حارب صلاح الدين على أبواب مدينة القدس ثم دخلها سلماً، ووفق قوانين الحرب تلك، حصل الإفرنج على ما أرادوا من متاع، وحصل صلاح الدين على ما أراد من جوهر، ومن يتتبع تلك النصوص، يجد أن مأثرة صلاح الدين الأيوبي في قوة الفكرة وليس في قوة السلاح، فقد جفف منابع الصراع الديني، وفتح للسياسة أبواباً، فهو أعطى الإفرنج الساحل الفلسطيني بأكمله تقريباً مائتي عاماً تلت، وبالتالي ما كان سيحصل عليه الفلسطينيون عند تمام أوسلو، كان يفوق ما حصل عليه صلاح الدين بكثير، غير أن الدولة الفلسطينية تلغي إمبراطورية الإخوان الوهمية من العقول.

بالنسبة لقطاع غزة، سواء تمت عملية مركبات جدعون أو لم تتم، فلم يبق من غزة إلا بضعة جدران على وجه المقاربة، لكن جراح أهالي غزة أكبر من أن تلتئم بفترة وجيزة، فالخيام مؤشر طويل على التشرد في لعبة الريح والعواصف الطبيعية والسياسة والجدل الذي ينتقل إلى الجدل، فالأرض المتاحة وحتى الممكنة بعد الحرب لا تكفي لسكنى مليوني إنسان في الخيام حتى لو تم تركيبها فوق بعض وهذا محال، ما يعني أن ضيق المساحة توحي بصورة كبيرة من غوانتنامو تعجز فيها الحركة، وتترهل فيه الأجساد بانتظار وجبة طعام بعد وجبة، ما يعني استحالة الحياة، فلا حجر ولا شجر ولا طير ولا خصوصية، أمام بوابات الهجرة التي يخشى أن تكون على شاكلة هجرات البحر المتوسط التي ابتلعت عشرات آلاف الأجساد خلال العقود الماضية.

الإخوان يريدونها حرباً دينية تنتقل إلى الضفة، واليمين المتطرف سعيد بالتوصيف، ويعجبه التمدد نحوها لخلق مزيد من النكبات للمخيمات هناك، وتبرير العودة لاحتلال المزيد على شاكلة مخيمات الضفة التي تسكنها الآن الآلة العسكرية بعد طرد عشرات الآلاف من ساكنيها. بمقابل ذلك تنشط الوكالة اليهودية للهجرة منذ السابع من أكتوبر نحو حركة هجرة إلى إسرائيل عبر استغلال حوادث فردية ذات طابع عدائي فردي ضد أفراد يهود أوربيين وغيرهم، بغية ملء مستوطنات الضفة بمزيد من المهاجرين، من خلال تضخيم فكرة ازدياد العداء للسامية في الغرب، خصوصاً بعد موجات التظاهرات الإخوانية في عموم الدول الغربية، وصعود اليمين المتطرف في بعض البلدان وبروز النزعة القومية وغيرها.

من هنا، يبقى الميثاق الوطني الفلسطيني الذي استبعد فكرة الصراع الديني هو الأساس، ما يعني أن خروج الفكر الإخواني من المشهد الفلسطيني والعربي ضرورة لا بد منها، وهو ما سيشكل مادة مهمة لخروج الإخوان المسلمين من المشهد العالمي، خصوصاً أن الإخوان يعتبرون أنفسهم أنهم "أوصياء على البشرية القاصرة... ولهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا"، وفق ما كتبه حسن البنا في كتابه الشهير الرسائل، والذي يعتبر الكتاب المقدس لحركة الإخوان.

هي ليست عملية مركبات جدعون ولكن عملية مركبات نتنياهو وحماس، شركاء المصلحة في استمرار الحرب.

العربية

يقرأون الآن