لبنان آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

الزعامة الحريرية... نهاية غير معلنة ومشهد بيروتي باهت

الزعامة الحريرية... نهاية غير معلنة ومشهد بيروتي باهت

انطفأت شعلة الزعامة الحريرية في لبنان، دون إعلان رسمي أو وداع واضح، لكنها انتهت فعلياً، إلى أجل غير مسمّى وزمن غير معلوم. نهاية لم تأتِ فجأة، بل كانت النتيجة الحتمية لسلسلة من الأخطاء المتراكمة التي ارتكبها زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، والتي رسمت المسار الانحداري لأحد أبرز التيارات السياسية السنية في لبنان منذ اتفاق الطائف.

لم تكن نهاية الحريرية السياسية نتاج فشل فردي فحسب، بل نتيجة منظومة قرارات وسياسات خاطئة، شارك في صياغتها مسؤولو التيار الذين قدّموا مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة التيار والناس. سنوات من التعيينات العشوائية، غياب الرؤية، وانفصال القيادة عن القواعد الشعبية، دفعت بالكثيرين إلى فقدان الثقة بهذا التيار الذي كان في يوم من الأيام يمثل طموحات فئة واسعة من اللبنانيين، ولا سيما أبناء العاصمة بيروت.

اليوم، وفي ظل الانتخابات البلدية والاختيارية، يشعر البيروتي باليُتم السياسي. لم يكن غياب سعد الحريري وحده ما أشعر أبناء المدينة بالفراغ، بل ظهور شخصيات جديدة تسابق الزمن لاحتلال مقاعد تمثيلية دون أن تمتلك الحد الأدنى من الرؤية أو المشروع الواضح. مشهد سياسي ضبابي، تطغى عليه الفردية والطموحات الشخصية على حساب المصلحة العامة، في وقت تعاني فيه بيروت من أزمات متراكمة تتطلب قيادة جدية ومشروعاً إنقاذياً واضح المعالم.

الفراغ الذي خلّفه غياب تيار المستقبل لم يُملأ حتى اللحظة. ومع غياب البدائل الجدية، تبقى بيروت عالقة بين إرث زعامة انكفأت وأسماء جديدة لم تثبت جدارتها بعد، وسط تساؤلات مشروعة يطرحها الشارع البيروتي: من يمثّلنا اليوم؟ ومن يحمل همومنا فعلاً؟

وعود الحريري

كل سنة، يعود سعد الحريري في الرابع عشر من شباط إلى لبنان لإحياء الذكرى السنوية لاغتيال والده، ثم يختفي تماماً عن الساحة اللبنانية، علماً أنّه، وفي كل مرة، يعطي وعوداً بعودة تياره إلى العمل السياسي والتنظيمي لكن لا تترجم هذه التصريحات إلى خطوات فعلية ولا يُسجّل له أي حضور سياسي ملموس.

هل يمكن تفسير هذا الغياب على أنه خيار شخصي؟ أم أنّه نتيجة قرار خارجي، وتحديداً سعودي، يقضي بإقصائه عن المشهد؟

طرابلس بلا زعيم

غياب سعد الحريري عن المشهد السياسي انعكس بوضوح على العملية الانتخابية في طرابلس، التي تُعد من أكبر معاقل تيار المستقبل. هذا الغياب ترك أثراً مباشراً على الركيزة الشعبية للتيار، إذ سُجّلت في المدينة أدنى نسبة اقتراع، بلغت 26%. بالإضافة إلى التوترات والإشكالات التي شهدتها مراكز الاقتراع في الشمال. ويمكن قراءة هذا المشهد بوصفه ردّة فعل طبيعية على غياب القيادة التي تُجسد توجهات الشارع السني، والمتمثّلة بالحريري، الذي لا يُنظر إليه كسياسي فحسب، بل كزعيم للطائفة. فبرغم تراجع عمل التيار في السنوات الأخيرة، لا يزال يُعدّ مرجعية مركزية في الساحة السنية، يصعب تجاوزها أو استبدالها ببدائل عابرة.

بيروت بلا زعيم 

بعد المشهد الانتخابي الذي اتّسم بالتشرذم وغياب الاستقرار في طرابلس، تكرّر ذلك في بيروت، التي تُعدّ بدورها حاضنة أساسية لتيار المستقبل وتشكل له مرجعية سياسية وشعبية. إذا غابت هذه المرجعية، وشهدت صناديق الإقتراع نسبة مشاركة خجولة جدا، ولا سيما أن المؤشرات أظهرت بوضوح تراجع الحماسة الشعبية لدى جمهور المستقبل الذي رفع في الذكرى العشرين شعار "بالعشرين على ساحتنا راجعين"، وبعد الوعود التي لم تنجز تعرض الجمهور السني لصدمة نتيجة غياب الحافز الأساسي للمشاركة، والمتمثل بحضور سعد الحريري في الساحة السياسية. فأتى القرار الشعبي متمثلاً بالاعتكاف عن المشاركة في الانتخابات البلدية.

فيتو يمنع الحريري

إقصاء الحريري من المشهد السياسي لا يمكن فصله عن الموقف السعودي غير المرحّب بعودته. فالسعودية، التي شكّلت تاريخياً الراعي الأبرز للحريرية السياسية، باتت ترى أن هذا النموذج لم يعد يلبّي تطلعاتها في المرحلة الحالية. ويبدو أن هناك فيتو يمنع الحريري من إعادة تفعيل دوره، ويظهر هذا بوضوح في تصريح يزيد بن فرحان عند زيارته لبنان فحسب ما أفادت المصادر حينها أن المبعوث قد أبلغ رئيس الحكومة وشخصيات في بيروت "بعدم التعاون مع أي جهة تابعة لفريق المستقبل في الانتخابات البلدية"، وأن السعودية وجهت رسالة واضحة للحريري تنص على أنه غير مرغوب به في الساحة السياسية اللبنانية. -ومن خلال النظر لواقع الأمور يتضح بأن عدم المشاركة ليس قراراً شخصياً-. بل هناك مسعى سعودي لإعادة هيكلة الزعامة السنية عبر الدفع بوجوه أكثر انسجاماً مع رؤيتها. هذا التحول يعكس رغبة الرياض في إعادة تشكيل التوازنات الداخلية في لبنان بما يتوافق مع أولوياتها، خصوصاً في ظل تقاطع الأزمات الإقليمية وتشابكها مع الملف اللبناني.

من يملأ الفراغ؟

نتيجةً لتزايد الضغوط الخارجية، لا سيما السعودية، والتي تمثلت في إقصاء الحريري عن العمل السياسي، يبدو أن الساحة السنية في لبنان تواجه أزمة قيادية لاسيما أن الأسماء المرشحة لتملأ الشاغر تبدو وكأنها غير محببة لدى الجمهور السني أو أن الشارع حالياً سواء في طرابلس أو بيروت أو صيدا غير راض عن تنصيب بديل. وهذه المسألة قد تعمّق الشروخ وتترك فراغاً ينتج عنه غموض في مستقبل الزعامة السنية. وخصوصا بعد فشل رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام في ملء الشاغر ما نتج عنه امتعاض سني واسع.

يقرأون الآن