يُهيمن شبح القنبلة النووية الإيرانية، على كافة المنصّات الإعلامية الفرنسية والدولية التي تُحاول التحليل بعُمق، حول ما إذا سيكون 2025 عاماً للدبلوماسية والسلام، أم للحرب وانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصة مع تراجع نسب التفاؤل حول نتائج المُفاوضات الأمريكية الإيرانية.
وفيما يُحذّر خبراء من أنّ طهران باتت على بُعد أسابيع من امتلاك السلاح النووي، ويغوص محللون سياسيون في آليات منع هذا السيناريو، نبّه المجلس الوطني للمُقاومة الإيرانية في باريس، إلى أنّ نظام الملالي مشلول بالصراعات الداخلية العميقة، وهذا ما يظهر في التصريحات المُتباينة والمُختلفة جذرياً لكبار المسؤولين ورجال الدين، ويُقوّض بالتالي قُدرات المُفاوضين، ويشل السياسة النووية لطهران.
وأشار الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي في صحيفة "ليكسبرس"، لوريدان بينيه، إلى أنّه بعد نحو 7 سنوات من توقيع اتفاق دولي حول الملف النووي الإيراني، انسحبت منه الولايات المتحدة لاحقاً، باتت طهران تمتلك حالياً 275 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهذا أكثر من 41 مرّة من الحدّ المسموح به.
وينقل عن نيسان رافاتي، الخبير في الشؤون النووية الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، تحذيره من أنّ "البرنامج النووي الإيراني لم يكن مُتقدّماً إلى هذا الحدّ من قبل". وهو سيناريو مُثير للقلق، لأنّ الجمهورية الإسلامية قد تستخدم ذلك كسلاح ردع، أو حتى لمُهاجمة أعدائها، بما في ذلك إسرائيل.
وكشفت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها كبار المسؤولين الإيرانيين، بشأن المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، عن حالة من الفوضى الكبيرة والأجندات المُتضاربة داخل النظام الديني، بحسب المجلس الوطني للمُقاومة الإيرانية في فرنسا. وبدلاً من سياسة موحدة، ترسم الأصوات المُتضاربة صورة من الشلل الداخلي بشأن هذه القضية الحاسمة، مما يُثير تساؤلات حول قدرة طهران على تقديم موقف مُتماسك على الساحة الدولية.
وقال علي شمخاني، المستشار السياسي والعسكري والنووي الكبير للمرشد الأعلى للنظام علي خامنئي: إنّ "إيران ستلتزم بعدم تصنيع الأسلحة النووية مُطلقاً، والتخلّص من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وتخصيب اليورانيوم فقط إلى مستويات أقل للاستخدام المدني، والسماح بالتفتيش الدولي". وذكر أنّ هذا سيكون مقابل رفع جميع العقوبات الاقتصادية فوراً. وعندما سُئل عما إذا كانت إيران قادرة على توقيع اتفاق اليوم إذا تمّ استيفاء هذه الشروط، قال شمخاني: "نعم".
ولكنّ الخلاف العام تفاقم، عندما هاجم علي أصغر نخائي راد، عضو مجلس الشورى للنظام، شمخاني بشكل مباشر، قائلاً: "كان رئيسي يعرفك جيداً عندما عزلك من منصبك كأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي. وقد لاقت تصريحاتك ترحيباً وتبنّياً من ترامب. بأيّ صفة تتحدث باسم إيران؟".
ومن جهته، لجأ حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن في البرلمان الإيراني، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنديد بما وصفه بنفاق شمخاني، مُتّهماً إيّاه باستغلال الاتفاق النووي السابق لمصالح خاصة، وقالت: "خلال السنوات الماضية، عانى الإيرانيون مُعاناة شديدة. وعلى الأقل، أولئك الذين استفادوا من العقوبات، غير مُكترثين بمعاناة الأمة، يستحقون المحاكمة".
وعلى عكس التصريحات الإيرانية الأقرب للدبلوماسية والتهدئة مع الولايات المتحدة، والتي تعكس الذعر من تهديدات إسرائيل والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ألقى عدد من رجال الدين خُطباً أكدوا فيها على رفضهم للتسوية. فأعلن قربان علي دوري نجف آبادي، وزير الاستخبارات السابق وممثل خامنئي في مدينة أراك "إذا أراد الأمريكيون استخدام رافعة التهديدات في المفاوضات، فإنّ أمتنا لن ترضخ.. لقد أصبح تخصيب اليورانيوم ثقافة، ومصدر كرامة، وإنجاز وطني وثوري عظيم... لن تتراجع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قيد أنملة عن المسار الذي سلكه الإمام والقائد ".
وفي مدينة إيلام، حذّر رجل الدين نور الله كريمي تبر قائلاً: "لا ينبغي لفريق التفاوض أن ينخدع بسياسة الشيطان التقدّمية. الشيطان هو الشيطان. تهديداته وعقوباته وابتساماته وتوسّلاته هي أيضاً شيطانية، وخلف هذه الابتسامات والتوسّلات تكمن خدع ضارّة".
وبالمثل، قال رجل الدين في مدينة كرج حسيني همداني: "إنّ تخصيب اليورانيوم جزء لا يتجزأ من مصالحنا الوطنية... واليوم، يُعدّ التخصيب رمزاً للهوية والفخر الوطني وخطاً أحمر لنا... لا توجد مفاوضات بشأن قضايا الدفاع والصواريخ، والتخصيب حقّ لا يُمكن إنكاره للأمة الإيرانية، ويجب عدم إغلاق أي منشأة للتخصيب في إيران".
وكشف مسؤولون أميركيون أن الولايات المتحدة حصلت على معلومات استخباراتية جديدة تشير إلى أن إسرائيل تجري استعدادات محتملة لتوجيه ضربة لمنشآت نووية إيرانية.
وبحسب فريدريك إنسيل، أستاذ الجغرافيا السياسية ومؤلف كتاب "الحرب العالمية ليست مكاناً"، فإنّ امتلاك إيران للقنبلة النووية قد يدفع جيرانها الإقليميين، إلى رغبة مماثلة.
ومن جهته، يدعو ميشيل روغالسكي مدير مجلة الأبحاث الدولية، إيران إلى وجوب أن تتخلّى عن هذا السلاح المُدمّر، وكذلك إسرائيل إلى أن تُفكك برنامجها النووي، حتى لا تنتشر رغبة مُتزايدة لدى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وتخرج الأمور بالتالي عن السيطرة.
وأشار روغالسكي إلى أنّ الأوضاع تغيّرت كثيراً اليوم، فقد رسّخت إسرائيل نفسها باعتبارها القوة العسكرية الإقليمية بلا مُنازع، وهي تُحقق انتصارات عسكرية ضدّ حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، مُستفيدة من سقوط النظام السوري، كما دمّرت جزءاً كبيراً من دفاعات إيران المُضادة للصواريخ. وسياسياً خسرت طهران العديد من حلفائها في الشرق الأوسط، وهي تُعاني من العقوبات وتخشى من هجوم إسرائيلي على مُنشآتها النووية.