من رفع العقوبات إلى الفوائد المشتركة

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا ليس مجرّد هدية ثمينة لدمشق قدّمها الرئيس دونالد ترامب بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فهو أيضاً فتح للأبواب السورية أمام الشركات والاستثمارات الأميركية. وهو عملياً نوع من رفع العقوبات عن لبنان وكلّ الدول والمؤسسات والشركات والكيانات التي كانت تخضع للعقوبات الأميركية إذا تعاملت مع دمشق. والورشة المنتظرة لإعادة تنظيم العلاقات بين لبنان وسوريا بعد سقوط نظام الأسد وقيام إدارة جديدة منفتحة على العرب والعالم برئاسة أحمد الشرع تحسّنت ظروفها. فالعلاقات اللبنانية مع سوريا مأزومة ومحكومة بالنفوذ الإيراني تختلف عنها مع سوريا مرتاحة عربياً ودولياً وخالية من التأثير الفارسي ودور «حزب اللّه» العسكري على الأرض السورية.

كما أن العلاقات السورية مع لبنان مأزوم ومدار بقوة «حزب اللّه» والهيمنة الإيرانية وسطوة المافيا المالية والسياسية والميليشيوية تختلف عنها مع لبنان أمامه فرصة مفتوحة للنهوض الاقتصادي بعد الفرصة السياسية التي بدأت بعهد رئاسي جديد وحكومة جديدة. ذلك أن بناء الدولة في كل من البلدين الشقيقين هو الضمان لاستقرار علاقات طبيعية. وما كان ذلك ممكناً في حال اللادولة في لبنان مع «دويلة» السلاح وحال النظام السلطوي على حساب الدولة في سوريا. وحجر الأساس الآن هو تسليم الإدارة الجديدة في سوريا بأن مهمّتها هي بناء دولة، والقطع مع النظرية التي سادت طويلاً وخلاصتها أن سوريا «قضية» وأن لبنان والأردن وفلسطين فروع لأصل هو الشام. ومن هنا، تبدأ الورشة التي جرى التفاهم على العمل الجدي فيها خلال لقاء رئيس الحكومة نواف سلام والرئيس أحمد الشرع بدعم سعودي واضح ظهر في رعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في جدّة لمحادثات بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري.

وإذا كان إيجاد حلّ لعودة النازحين السوريين في الوطن الصغير إلى بلادهم هو المسألة الملحّة في بيروت، فإنّ تنظيم العلاقات يحتاج إلى حلول لقضايا قديمة منذ استقلال البلدين، وقضايا مستجدة فرضها نظام الأسد، ومسائل طارئة. من ترسيم الحدود البرية والبحرية بين دولتين سيدتين كانت دمشق تتهرّب منه إلى إعادة النظر في «معاهدة الأخوة والتعاون» وأكثر من مئة اتفاق لمصلحة الوصي السوري بينها اتفاق على نسب الإفادة من نهر العاصي جاء على حساب لبنان. وهذه مهمة لا تتحمّل البطء التقليدي الذي ساد محاولات تنظيم العلاقات بين البلدين، لأنّ تركها بلا حلول يؤذي لبنان وسوريا معاً، بعدما كان يؤذي لبنان وحده.

والمهم أن دمشق خرجت من العزلة العربية والدولية في ظل النظام السابق وداعمه الإيراني كما خرجت بيروت من العزلة العربية والدولية التي تسببت فيها هيمنة طهران و «حزب اللّه». ولا مجال بعد اليوم للتدخل في الشؤون الداخلية، ولا لفرض سياسات خارجية. ولا مهرب من التكامل بين البلدين في إعادة الإعمار التي تقدّم الكثير من الفرص الاستثمارية للشركات اللبنانية والسورية والكثير جداً من فرص العمل بعدما وصلت نسبة البطالة إلى أرقام عالية ونسبة الفقر إلى أرقام مخيفة. فضلاً عن أن العلاقات بين الشعبين أعمق ممّا تفعله الحكومات، بصرف النظر عن ذكريات ما فعله الجيش السوري في لبنان وما فعله عسكر «حزب اللّه» في سوريا.

والأمل هو في ألّا يتكرر ما وصفه المفكر السوري الراحل الطيب تيزيني بالقول: «عبارة زعيم تاريخي ترجمتها هي: زعيم فوق التاريخ».

نداء الوطن

يقرأون الآن