وكما جاء مجلس التعاون من فكرة كويتية تبناها المرحوم الشيخ جابر الأحمد، أمير الكويت، وطرحها على زعماء الخليج في قمة عمان – الأردن عام 1979، ومنها خرج مجلس التعاون الى هذه الدنيا في 25 مايو 1981، حيث كان اللقاء الأول في مدينة أبوظبي، عاصمة دولة الامارات، لكن الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون ولدت في الكويت عام 1997، التي استقبلت أول اجتماعاتها، وجاء حظي بأن أكون أول رئيس لها، وذلك عام 1997، وما زلت عضوا فيها مع الإخوة الآخرين، حيث تستضيف مدينة مسقط معظم اجتماعاتها، بعد أن استقرت الهيئة فيها كمقر دائم.
كانت أفكار المرحوم الشيخ جابر الأحمد، أمير الكويت، أن مجلس التعاون في مسيرته يتحسن كثيراً في خياراته اذا كان مدعوماً بهيئة استشارية تتكون من أصحاب الخبرة في دول المجلس تتابع نشاطاته وتوفر له، وهذا هو المهم، الاسهام الشعبي المتابع لإنشطة المجلس والحريص على نجاحه والمؤمن بدوره في تعزيز صلابة الترابط بين الأعضاء. كان رأي الشيخ جابر الأحمد أن الهيئة التي تجمع أهل الخبرة الحريصين على نجاح المجلس هي صوت شعبي يضمن سلامة المسار ويقدم النصيحة التي تعزز مكانة المجلس لدى شعب الخليج وتعمق إيمانه بملاحقة أهدافه. كان الهدف وجود الصوت الشعبي المتابع لرسالة المجلس وأنشطته ومدى تلازمها مع طموحات المواطنين. أخذت عملية موافقة الدول الأعضاء على صلاحياتها وأنشطتها وقتاً طويلاً، توافرت فيه فرصة التساؤل عن صلاحيات الهيئة وكيفية تنفيذ المقترحات التي تراها ملائمة لتقوية المسيرة وتأمين تنفيذ المشروعات التي تعظم الترابط بين الدول وتؤمن الوصول الى الشراكة الخليجية الجماعية، لاسيما في الجانب الاقتصادي وترابط البنية التحتية.
كانت التساؤلات كثيرة عن الاختصاصات التي تُمنح للهيئة، وعن المخاوف من تأثيراتها في قرارات القمة والمجلس الوزاري.
وبعد مرور بعض السنوات تمت خلالها المشاورات بين الدول واقتربت فيها المواقف خلال المشاورات بين الدول، وظهر تقبل الدول الأعضاء صلاحياتها. انطلقت الهيئة لأول مرة في الكويت عام 1997، وكان حظي أن أكون أول رئيساً لها عندما حان وقت الانطلاق، منذ ذلك اللقاء شهدت الهيئة الاستشارية تبدلات في ممارسة صلاحياتها وفي تنوع خبرات الأعضاء الذين ترشحهم دولهم لتمثيلها في الهيئة. جاء الأولون من ممثلي الدول من موكب الوزراء المتقاعدين، بعضهم له تجارب في مجلس التعاون، لكن الوضع شهد تبدلات، فمن كان يتصور أن الهيئة قادرة على طرح مقترحات تضيف الى صلاحيات مجلس التعاون وتوسع ساحة نشاطاته، فلن يجد المجال الذي يرضيه، لأن جوهر التشاورات بين الدول الأعضاء حوَّلت الهيئة الاستشارية في نشاطها الى إعداد دراسات لموضوعات تهم مجلس التعاون، سواء في الاقتصاد أو في التكنولوجيا أو في النشاط الاجتماعي والثقافي، مع اتباع النهج الذي يحقق القبول والتوافق بين الدول حول نشاط الهيئة وجدول أعمالها. تجتمع الهيئة سنوياً في ثلاث دورات على الأكثر كل سنة. تبدأ الأولى في فبراير ولمدة يومين، وعادة في دولة الرئاسة، كما شهدناها في الكويت في فبراير الماضي، وبما يؤمن لها اللقاء مع القيادة التي تترأس عمل المجلس، وبعد ذلك تجتمع في شهر مايو وفي شهر سبتمبر في مسقط، سلطنة عمان.
كما تعتمد الهيئة لتنفيذ مسؤولياتها على تشكيل اللجان المختلفة، التي تتعامل مع ما يحيله المجلس الوزاري من دراسات تتولاها الهيئة وتعدها، ثم ترفعها الى المجلس الوزاري بعد اتمام هذه الدراسات، وعادة تكون هذه الدراسات حول قضايا وموضوعات تهم دول المجلس. والملاحظ أن الهيئة لا تقترب من القضايا السياسية، وإنما تصب جميع جهودها في المسار التجاري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حيث تلتزم الهيئة بالابتعاد عن القضايا السياسية التي تؤذي الانسجام، بينما تلتزم الهيئة بقاعدة الإجماع. ومن الملاحظ أن انشغال الهيئة بإعداد الدراسات التي يقترحها مجلس وزراء الخارجية، يأخذها الى مسار لم يكن مرسوماً، وإنما أصبح المجال الذي يستهلك جهودها، والخالي من اية تصدعات تؤذي الإجماع الذي تلتزم به الهيئة.
وفي هذا المسار، ساهمت الهيئة الاستشارية وبشكل واضح، في توحيد القوانين التي تستهدي بها الدول في علاج القضايا الداخلية، أو في تعاملها مع الشأن الاقليمي والدولي، وعمقت عن طريق وحدة القوانين وتلاقي السياسات حجم التلاقي والتداخل ومضاعفة أعمدة الوحدة بين الدول الأعضاء، ومن هذه الحقيقة يتأكد إسهام الهيئة الاستشارية في تعظيم أعمدة الترابط بين الأجهزة المختلفة في الدول الأعضاء، لدورها في توحيد القوانين التي تنظم العمل وتحمل الدول الى الشراكة الدائمة.
وأشعر بأن ما حققته الهيئة في إعداد الدراسات المؤدية الى توحيد المواقف والقوانين، يشكل اسهاماً لا غنى عنه في وحدة المواقف والسياسات تجاه مختلف الملفات، عربياً وإقليماً وعالمياً.
وأضيف أيضاً بأن الدراسات التي تضعها الهيئة تتميز بتنوع المقترحات واتساع آليات التنفيذ وتحرص على الابتعاد عن المبالغات في الطموحات، ملتزمة دائماً بواقعية الممكن ومطمئنة بأن صعوبات اليوم ستلين غداً. كما يمكن لنا التأكيد على أن ملفات الغد سترتفع في محتوياتها وفي تنوعها. أكتب هذا المقال رداً على تساؤلات كثيرة عن دور الهيئة الاستشارية، وآمل أن يحمل المقال الرد الكافي لهذه التساؤلات.
خرجت الهيئة من اجتماعها الأخير في الكويت حاملة عزماً قوياً تولد من اللقاء مع سمو ولى العهد، ومن محتوى المساندة التي نالته من القيادة، فكان آخر اجتماع لها في نهاية ابريل الماضي برئاسة معالي الوزير السيد ناصر الروضان، المستوعب لحجم حرص القيادة الكويتية والدول الأخرى على مواصلة مسارها، مستذكراً محتوى المسانده التي أظهرتها القيادة الكويتية، ممثلة في اللقاء الواسع الذي جمع سمو ولي العهد مع جميع الأعضاء.
القبس