دعوى قضائية ضد بشار الأسد داخل سوريا

تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورة لوثيقة صادرة عن وزارة العدل السورية، تتضمن دعوى قضائية موجهة ضد بشار الأسد بصفته "متهماً بجرم القتل العمد والتعذيب"، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والقانونية وصلت حد السخرية.


الوثيقة، التي تحمل توقيع نائب عام وتاريخاً يعود إلى 4 أيار/مايو 2025، تشير إلى أن المدعو أحمد عبد الرحمن سليمان تقدم بشكوى شخصية ضد بشار الأسد، متهماً إياه بارتكاب جرائم قتل وتعذيب، وهي اتهامات أحيلت إلى قاضي التحقيق للنظر فيها، استناداً إلى المواد 58 و59 من أصول المحاكمات الجزائية السورية.

وتبدو صيغة الدعوى قاصرة عن الإحاطة بحجم الجرائم المنسوبة إلى النظام السوري، والتي وثقتها مئات التقارير الحقوقية الدولية، إذ تقتصر التهمة على القتل العمد، دون أن تشير إلى الجرائم الكبرى من قبيل الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية.

المحامي والحقوقي السوري ميشيل شماس علق على الوثيقة المنشورة، معتبراً أن مضمونها لا يرقى إلى مستوى الجرائم التي ارتكبت في سوريا، بل يشكّل بحسب تعبيره "إهانة واستخفافاً بمعاناة الضحايا". ورأى شماس أن هذه الدعوى تقزم الانتهاكات المرتكبة وتحصرها في إطار جنائي داخلي لا يتناسب مع طبيعتها كجرائم حرب. وأضاف أن محاكمة بشار الأسد تحتاج إلى جهد جماعي من قبل فريق قانوني متخصص، يعمل على توثيق الجرائم وفق المعايير الدولية، وتقديمها أمام محاكم مختصة قائمة على القانون الدولي، لا أمام قضاء وطني لا يتمتع بالاستقلالية اللازمة، وقد كان أحد أدوات القمع خلال السنوات الماضية.

وحسب خبراء، فإن القيمة القانونية للدعوى تقتصر على الإطار المحلي، وهي تستند إلى مواد القانون السوري التي تعاقب على القتل والتعذيب، لكنها تتجاهل السياق الواسع والممنهج للجرائم التي وقعت منذ العام 2011. إذ وثقت منظمات دولية مستقلة استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وجرائم الحصار والتجويع، والاعتقال الجماعي، والإخفاء القسري، فضلاً عن أعمال الإعدام خارج القانون.

والحال أن فرار بشار الأسد إلى روسيا عقب سقوط نظامه في كانون الأول/ديسمبر 2024، وحصوله على صفة "اللجوء الإنساني" هناك، يعزز من حمايته القانونية المؤقتة، ويوفر له مظلة سياسية تحول دون أي إجراءات قضائية دولية فورية بحقه.

غير أن تاريخ القانون الدولي الحديث يوضح بشكل لا لبس فيه أن الرؤساء والمسؤولين الرسميين لا يتمتعون بحصانة أمام الجرائم الجسيمة، وقد جرى تكريس هذا المبدأ منذ محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية، ثم تجلّى في محاكمات دولية لاحقة، من أبرزها محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش أمام محكمة لاهاي، والرئيس الليبيري تشارلز تايلور، وكذلك صدور مذكرات توقيف دولية بحق الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير. وأكد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في مادته السابعة والعشرين، أن الصفة الرسمية، بما في ذلك رئاسة الدولة، لا تمنع الملاحقة الجنائية على الجرائم الكبرى.

ورغم هذه السوابق القضائية، تبقى ملاحقة الأسد على المستوى الدولي معطلة في الوقت الراهن، نظراً إلى أن روسيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، وبالتالي لا تلتزم قانوناً بتسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما يفرض تحدياً حقيقياً أمام جهود المساءلة الدولية، ويؤجل تحقيق العدالة في واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في الذاكرة الحقوقية المعاصرة.

ومع ذلك، فإن محاكمة الأسد تبقى ممكنة، إذا توفرت الإرادة السياسية لإنشاء محكمة خاصة بسوريا، أو إذا قامت دول أعضاء في المحكمة برفع دعاوى بناء على اختصاصها العالمي، خاصة في حال كان بعض الضحايا من حملة جنسيتها.

يقرأون الآن