صحة

الاكتئاب مرض قاتل ينهش الخلايا الدماغيّة وقد يصبح وراثياً... إليكم طرق الوقاية

الاكتئاب مرض قاتل ينهش الخلايا الدماغيّة وقد يصبح وراثياً... إليكم طرق الوقاية

الاكتئاب هو مرض العصر الذي ينهش خلايا الدماغ ويستنزف الروح وهو نتيجة نقص في هرمون السيرتونين الذي يؤدي الى فوضى في عمق النفس البشرية ينتج عنه التوتر، القلق، الخوف والاكتئاب وهذا ما يسمى بالمرض النفسي في حال فقد المرء القدرة في التحكم والسيطرة على كل ما تقدم من مشاعر متفاوتة ومتضاربة ذات وصمة سلبية. الا ان هذه النتائج قد تتضاعف وتؤدي الى امراض منها السكري، ضغط الدم، الجلطات وامراض القلب...

هذا المرض مسؤول عن انتحار مئات آلاف الأشخاص سنوياً، وصنّفته المنظمة العالمية للصحة من بين 10 امراض متسببة في الإعاقة الاجتماعية او النفسية او الصحية للمريض، ومن الممكن ان يصبح في سنة 2030 المرض الأكثر شيوعا في العالم.

«الديار» قامت بجولة ميدانية على الأرض في مختلف المناطق اللبنانية شملت نحو 30 صيدلية أظهرت ان حوالى 85% من الناس يشترون الادوية المهدئة للأعصاب، ومن بين هؤلاء 70% يحصلون عليه عن طريق الوصفة الطبية و15% يذهبون من تلقاء أنفسهم وبعضهم يناور للحصول على مبتغاه.

ويصف الصيدلي رافي في منطقة الرابية مشاهداته بالأمر الخطر بحيث توجد نسبة من المراهقين لا يستهان بها يأتون لطلب الادوية المرخية للأعصاب او المهدئة ومعظمهم يسأل عن عقاقير اصدقاؤهم يتناولونها عن طريق طبيبهم الخاص وبالأخص دواء اسمه «بينزكسول» «وليفترا» والأول مضاد للكآبة الا انه خطر بحيث يدمنه الشخص وتركه يؤدي الى اوجاع العظم وهنا تكمن خطورته.

كيفية التعامل مع الاكتئاب

دون اللجوء الى الادوية

تقول اختصاصية العمل الصحي الاجتماعي والمتابعة النفس جسدية خديجة ماضي لـ «الديار»، التوتر يقسّم الى قسمين: إيجابي وسلبي.

بالنسبة للإيجابي، «وهو يعد صحيا وسليما ويحدث مع الفرد بعد التعرض لموقف فيه خطر على الحياة، او يتطلب استجابات سريعة بمستوى وكفاءة عاليين كإلقاء كلمة في حفل، او اجراء امتحان وهذه الأمور تتطلب مستوى عاليا وسريعا فيفرز الجسم هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر الذي يحفز الخلايا العصبية في الدماغ والتي تعطي الامر للاستجابة السريعة التي يحتاج اليها الفرد للتصرف في هذا الموقف بجودة عالية».

اما عن التوتر السلبي فتقول: « تصفه ماضي بالمزمن ويؤدي الى ابطاء معدل الكورتيزول او هرمون التوتر في الدم، ويكون مرتفعا معظم الوقت ما ينتج منه تحفيز للمنطقة التي تقع في الدماغ والمسؤولة عن الاستجابة. وتردف، فليتخيل الانسان انه تحت وطأة ضغط العقل ويتخبط للاستجابة السريعة بمعدل عال وبسرعة وكفاءة، وعمليا يكون خارج عن قدرته وهذا ما يؤدي الى نتائج غير مرغوب بها».

ارقام

تقول ماضي: «احدى الدراسات كشفت ان الفرد إذا كان اغلبية الوقت تحت الضغط والتوتر فسيكون معرضاً بمقدار مرتين ونصف المرة للإصابة بمشاكل القلب. وتتابع، « هناك دراسات أخرى أظهرت ان 80% من الاستشارات الطبية تتحول من اجراء عادي الى نتيجة سببها الاكتئاب ومن هنا يوصي الأطباء في كل مرة يذهب المريض لإجراء أي فحوصات او استشارات بالابتعاد عن كل باب يؤدي للقلق والتوتر والاكتئاب. والجدير ذكره ان دراسة ثالثة في هذا السياق بيّنت ان نسبة 60 الى 80% من حوادث العمل مرتبطة بالـ STRESS.

مصادر القلق بيت القصيد

تصف ماضي الوضع القائم في لبنان بقولها «نحن ملوك فيه» لتتناول المشاكل الاقتصادية التي تسيطر عل كافة الشرائح الاجتماعية والتي تجعل الفرد في حالة من الضغط المتواصل لجهة كيفية تأمين احتياجاته سواء من دراسة او امتحانات او استحقاق على صعيد معين في ظل غياب الخدمات الأساسية في البلد كالكهرباء والمياه والدواء وبدل اجرة النقل الخ... وتردف، «هذه الأمور مجتمعة والتي هي حق طبيعي للإنسان، مفقودة وبالتالي ينام ويصحو وهو يفكر في كيفية الخروج من هذه المعضلات ما يخلق حالة من التوتر وقد يكون ناتجا من ضيق الوقت لعدم قدرته في انجاز كل ما هو مُلقى على عاتقه، الامر الذي يُشعر هذه الفئة بالتقصير وهؤلاء يكون الكورتيزول مرتفعا في جسمهم ما يؤدي الى نتائج غير مرضية على صعيد الصحة النفسية والجسدية والعقلية».

ضحايا التوتر ارتفاع الكورتيزول

في هذا السياق تقول ماضي، «نرى الكثير من المعضلات على المستوى الفيزيولوجي فيعاني الفرد من قلة النوم او ينام بشكل متقطع او كثيرا، الا ان الأكثر إذاعة التعب والارهاق العام في الجسد ينتج منه عدم القدرة  على مغادرة الفراش او مشاكل صحية على صعيد عسر الهضم ومشاكل القولون العصبي وتقيؤ. كما نلاحظ ان الشد العضلي هو المسيطر على هذه الحالات لتصبح الحالة كناية عن مشاكل في النوم، عسر الهضم، التعب، الإرهاق النفسي-الجسدي والشد العضلي».

المزاج

اما على هذا الصعيد فتقول ماضي: « نلاحظ بعض العوارض التي تظهر على الفرد مثل الغضب، الضياع، الحزن وعدم تقدير الذات ودائما تسيطر عليه حالة من التوتر والانفعال الشديد ويكون منتظرا حدوث الأسوأ».

عوارض

من عوارض التوتر التي تطغى على التصرفات، «انعزال الفرد بشكل دائم، وتجنبه الاختلاط بالمحيط او الاحتكاك مع الناس ولديه صعوبة بالتعامل الصحي والسليم في العلاقات الاجتماعية ويختلق المشاكل أينما ذهب او حلّ. كما انه يفتقد وضع ضوابط اجتماعية لعلاقاته على نحو جيد وصارم. وعلى مقلب آخر قد يدمن أمورا أخرى كوسائل التواصل الاجتماعي او تعاطي المخدرات وشرب الكحول او تناول أقراص مهدئة للأعصاب بهدف الهروب من الضغط الذي يسيطر او يمارس عليه وعلى صعيد العمل يكون في غياب متكرر».

«التوتر» قد يعطب الدماغ

في سياق متصل، تتحدث ماضي عن دراسات تناولت الضرر الذي من المحتمل ان يضرب الدماغ بشكل أساسي ومباشر بحيث يوجد خلايا معينة داخله تتأثر وتتأذى وتفقد أداء وظائفها بشكل سليم ما يؤدي الى تقلص حجم الدماغ الذي ينتج منه مشاكل في التعلم والذاكرة والقدرة في السيطرة والتحكم. وتتابع، هذه المهام الأساسية المسؤول عنها الدماغ إذا حدث خلل بها فستتأثر بالأداء الوظيفي وسيتراجع الانسان ومن هنا نسمع كثيرا مقولة «عم ننسى كثير» او فقدان الجَلَد لاكتساب مهارات».

الخطر الحقيقي... أخطر

تشير ماضي الى ان الأخطر مع الوقت في ان يتحول الخلل من مرض جسدي الى ضرب الدماغ وفي دراسات أجريت في هذا المجال أظهرت ان جيناتنا تتأثر ومن الممكن ان ينقل التوتر بالوراثة وبالتالي التعامل مع شخص ورث التوتر أصعب كونه تأذى في العمق وبالتالي سينقل هذا الإرث للأجيال القادمة في المستقبل.

وفي سياق الدراسات، اللافت في دراسة أجريت على فئران بيّنت ان الام التي قدمت الرعاية لطفلها بطريقة وافية في الصغر جعلته قادرا على التعامل مع الكورتيزول بطريقة أفضل من طفل آخر تم اهماله وهنا يتجلى لنا دور الام في تربية أولادها في الصغر.

بالعلاج يبدأ بمجموعة

خطوات منها المنطق

يترتب علينا بحسب ماضي، «المحاولة في ان نكون منطقيين، وتلفت الى كوننا نعيش في بلد كلبنان من الصعب ان ننأى بأنفسنا عن شيء اسمه التوتر لأننا نقبع داخله أي في العمق. والسؤال: هل نحن راضون؟ ما دام ليس لدينا المزيد من الخيارات الأخرى فهل نقبل ان نكون ضحاياه، او فريسة لهذا التوتر؟ او نتحكم بالأمور ولا ندعها تتحكم بنا!

وتشرح ماضي، «يبدأ العلاج في رفض المرء للخضوع، وفي ان يكون عنصرا مؤثرا ولو بالحد الأدنى الذي موجود دائما وتخفيف الضرر الذي وقع عليه، والاستفادة من الارشادات لتحقيق الهدف. كما ان التواجد في الطبيعة قد يقلب الموازين إيجابا فالدراسات في هذا السياق كشفت ان اللون الأخضر مريح للنظر ويمنح الاتصال مع الطبيعة ويعطي شعورا بالدفء والسكينة والطمأنينة ويشحن طاقتنا التي تدفعنا باتجاه الإنجاز».

فيتامين «د»

ان التعرض لأشعة الشمس بهدف الحصول على فيتامين «د» أساسي لصحة العظام والعودة للنوم بشكل طبيعي كما يزودنا بالطاقة التي تجعلنا نشعر اننا أفضل وتساعد بإفراز هرمون السيرتونين والذي هو واحد من هرمون السعادة.

الرياضة

التمارين الرياضية لها سحر في حل جميع المشاكل فهي تساعدنا على افراز هرمون الاندروفين وهو واحد من هرمونات السعادة والرضى بالنفس إضافة الى هرمون الدوبامين الذي يرتبط بالإنجاز والتقدير وهرمون الاوكوستوسين الذي يحسّن من مزاج الانسان خاصة إذا التقينا بمن نحبهم حتى ولو عن طريق المصافحة.

وتخلص ماضي للقول: «الانسان لديه حاجة فطرية روحية داخلية وإذا لم يشبعها سيشعر دائما بالنقص في مكان ما، وداخليا لا يمكنه القيام بهذا التوازن. ومن هنا فان قراءة القرآن والانجيل المقدس او الصلاة في الكنيسة او الجامع كما ان العطاء وتقديم أشياء نلغي من خلالها الانا يصبح مدى الانسان أرحب والايمان بالعالم الماورائي وان القضية لا تنتهي على الأرض يصبح الانسان متصالحا مع نفسه واقل غطرسة».

وتنصح ماضي في حال المحاولة لم تنجح استشارة اختصاصي الذي يعد امرا ضروريا واساسيا لمشاركة المشاعر التي يتخبط فيها الشخص فيبادر الى توجيهه نحو مهارات قد يفتقدها او لا يجد سبيلا لاكتشافها وأخيرا الغذاء الصحي والسليم والابتعاد عن السموم بالغذاء المصنع أولوية وخطوة في طريق العلاج السليم.   


ندى عبد الرزاق - الديار

يقرأون الآن