هذه الأزمة هي أزمة بقاء لنظام حكم الإيرانيين منذ 46 عاماً منتهجاً القمع والرعب والأساليب المتخلفة.
منذ فجر الجمعة الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري تعيش إيران وشعبها في حال طوارئ أمنية وعسكرية غير مسبوقة، لم نشهدها حتى خلال فترة الحرب مع العراق التي استمرت ثمانية أعوام.
قتلت إسرائيل - في صدمة وذهول - قادة الحرس الثوري وكبار المسؤولين في البرنامج النووي الإيراني. في هذه الظروف غير المسبوقة فقد النظام الإيراني نخبته العسكرية العليا في غضون لحظات، ودمر النظام الدفاعي، وفقد النظام السيطرة على الأداء وإدارة الوضع ودخل في أزمة وجودية عميقة.
هذه الأزمة هي أزمة بقاء لنظام حكم الإيرانيين منذ 46 عاماً منتهجاً القمع والرعب والأساليب المتخلفة. نظام يمزج بين تصرف مافيا دينية ومافيا عسكرية، واستغل أرواح وأموال وحرية وأمن الشعب الإيراني من أجل الوصول إلى أهدافه مثلما يعتقد المعارضون.
وكانت الشخصيات التي تمت تصفيتها في الهجمات الإسرائيلية بالطائرات المسيرة والمقاتلات، تشكل الحلقة الأساسية في إدارة الشؤون الدفاعية والاستراتيجية التي يسير عليها النظام إقليمياً، ويقررون ما تتطلبه توجهات إيران الإقليمية، ويديرون شؤون الميليشيات التابعة للنظام، كذلك كانوا يشرفون على البرنامج النووي.
مع اغتيال هؤلاء، يطرح الآن سؤال: ما مدى الضرر الذي لحق بقدرات النظام؟ وما أوراقه التفاوضية المتبقية بعد الضربات المتلاحقة لمراكزه النووية والمنشآت الحيوية؟ وهل هناك معنى لبقاء هذا النظام بعد هذه الأحداث في مفهوم الشرعية والحكم؟
مع استمرار الضربات الإسرائيلية لمنازل وقادة المشاريع العسكرية والأمنية، يبدو من غير المرجح أن يستمر هذا النظام لفترة طويلة، بخاصة في ظل المعارضة المتجذرة التي يشهدها من المواطنين.
وشكل تدمير النظام الدفاعي ومقتل قادة الحرس الثوري ومساعديهم ضربة لا يمكن تعويضها في هيكل القيادة الأمنية والعسكرية في النظام.
وبدا أن القدرات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، والفراغ الأمني في النظام، شكلا نقطة ضعف أدت إلى انهيار المنظومة الدفاعية والعسكرية للنظام الإيراني.
وبات واضحاً أن الهجوم لم يقتصر على قصف المقاتلات، بل شارك عملاء داخل إيران، وشبكات أنشأتها إسرائيل على الأرض الإيرانية منذ فترة طويلة.
وسمع سكان طهران في الـ13 من يونيو في جميع المناطق صوت الطائرات المسيرة الانتحارية التي كانت تهاجم القواعد العسكرية ومنظومات الدفاع الجوي الإيراني.
لا تستطيع دولة أجنبية تنفيذ مثل هذه العملية الضخمة إلا إذا كان النظام الحاكم منهمكاً بأولويات أخرى غير إدارة البلاد.
النظام تخلى عن البلاد وبات يسير خلف أهدافه الأيديولوجية، لقد ترك الإيرانيين بلا دفاع منذ أعوام عدة، لأنهم لم يحظوا بأهمية لديه.
بدا واضحاً أن نظام الدفاع الجوي الإيراني نظام قديم وإمكاناته محدودة بسبب العقوبات، كذلك لا تملك إيران مقاتلات حديثة. فنظام الصواريخ الذي يدعي رجال الدين أنه للردع كان في الواقع موجهاً لتعزيز قدرات الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة مثل "حزب الله"، و"حماس" و"الحوثيون" و"الحشد الشعبي" و"ميليشيات الأسد"، وكانت هذه الصواريخ تمنح لهم مجاناً، ورأينا كيف انهارت هذه المنظومة في 48 ساعة من العملية الإسرائيلية.
أما هجوم إيران بالصواريخ والطائرات على إسرائيل ففقد فاعليته بسبب المسافة الزمنية، وتصدت إسرائيل له عبر القبة الحديدية ومقلاع داوود، وكذلك بدعم من أميركا وفرنسا وبريطانيا.
الغضب بين أوساط الشعب الإيراني يتضاعف في الوقت الحاضر، فالنظام لا يجيد سوى قمع شعبه، وملاحقة النساء بسبب الحجاب، لكنه عاجز أمام التهديدات الأمنية الداخلية، إذ إن إسرائيل دخلت إيران وأقامت ورشات تجميع الطائرات المسيرة وشن هجوم على إيران من الداخل.
المعركة الحقيقية لهذا النظام كانت مع الشعب الإيراني، وليس مع إسرائيل أو أميركا، فالنظام استعمل المواطنين الأبرياء كدروع بشرية.
في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على مساكن قادة النظام في طهران، قتل مدنيون لا علم لهم بما يجري، لم يكونوا يعلمون من هم جيرانهم حتى وقوع الانفجار. إخفاء هؤلاء القادة في أحياء مكتظة هو دليل آخر على انفصال هذا النظام عن الناس.
يوجد هنالك غضب بين عائلات الضحايا المدنيين فيتهمون النظام بأنه يجعل أبناءهم ضحية لمغامراته النووية والإقليمية.
أراد النظام أن تكون ميليشياته الإقليمية وبرنامجه النووي كورقة مساومة، وأنفق ثروات الشعب على طموحاته التوسعية وقمعه الداخلي، لكن ما نشهده اليوم هو نتيجة لتنفيذ مشروع أوسع لإعادة تشكيل شكل المنطقة، بدأت بعد هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
فالدمار في غزة، ومحاولة القضاء على "حماس" و"حزب الله" واغتيال حسن نصرالله وقادة الحرس في لبنان وسوريا، وسقوط نظام الأسد، جميعها خطوات تهدف إلى ردع التهديدات وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وعرض ترمب لاتفاق نووي جديد مع إيران جاء بعد ضرب هذه المحاور في لبنان وسوريا، لقد أزالوا أوراق التفاوض للنظام، ولم يتبق له سوى التهديد بالقنبلة النووية.
لقد أعلن ترمب أنه أعطى النظام فرصة استثنائية لإزالة التهديد الثاني. منحهم مهلة شهرين انتهت في الـ13 من يونيو وبعدها بدأت العمليات الإسرائيلية المخطط لها.
وأثبت تأخر النظام في التوصل إلى اتفاق أنه غير قادر على اتخاذ قرارات صائبة، وأنه يصير على مواصلة السياسات التدميرية السابقة نفسها.
فقد النظام الإيراني فرصة الاتفاق، وربما سيكون مضمون الاجتماع المقبل مع أميركا حول تفاصيل الاستسلام، وإيقاف العمليات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية. وحتى ذلك الحين، إن حصل الاجتماع، فإن إسرائيل ستستمر في ضرب المنشآت النووية والاقتصادية.
لكن كيف يمكن لنظام فقد ثقة شعبه ويعيش خلافات داخلية أن يواصل حكمه أو يردع إسرائيل؟ في رأي الكاتب، الوضع تغير، والحديث لم يعد عن اتفاق نووي بل عن تغيير الحكومة.
كانت إيران لعقود مركز استقرار وازدهار للمنطقة، ولكي تبقى المنطقة مستقرة يجب أن تكون إيران مركزاً معنوياً للأمان والازدهار في المنطقة وهذا يبدو بعيداً مع النظام الحالي.
إيران ستبقى، لكن الحكومات تأتي وتذهب.
وكما قالت الشاعرة الإيرانية الكبيرة، سيمين بهبهاني:
سأبنيك من جديد يا وطني، وإن كان بحجر من روحي
سأشيد لك سقفاً، ولو كان على عظامي
سأشم عطرك مجدداً، كما يشتهي شبابك
سأغسل دمك من جديد، بسيل دمعي
سيعود يوم مليء بالنور، وتغادر الظلمة بيتي
سألون شعري بلون زرقة سمائنا
وإن كنت ميتاً بعد 100 عام فسأنهض من قبري
لأمزق قلب الشيطان بزئيري الجبار
أندبندنت عربية