لا يزال الاستحقاق الرئاسي مؤجلاً ومتعذّراً، في ظلّ عدم التوافق الداخلي والخارجي. وتقول مصادر سياسية مطّلعة: «القصة بعيدة». فلا نتيجة عملية على هذا المستوى من اجتماع باريس، في ظلّ عدم التوافق بين الفرنسيين والسعوديين حيال التعامل مع «حزب الله». كذلك داخلياً، إذ يعتبر البعض أنّ التوافق المسيحي توطئة لانتخاب رئيس، لكن هذا التوافق يبدو أنّه شبه مستحيل حتى الآن، ولم يُبت بعد بعقد اللقاء المسيحي في بكركي مهما كان شكله وآليته.
في ظلّ هذا الواقع المُقفل على الحلول الرئاسية حالياً، لن يدعو رئيس مجلس النواب الى جلسة انتخابية، و»لن ينزل إلى المجلس إلّا وأن يُنتخب رئيس للجمهورية»، بحسب مصادر مطّلعة على موقفه. وتقول هذه المصادر: «كلّما عُقدت جلسة انتخابية، يُقال إنّها مهزلة. وهذا صحيح، لكن هذه ليست مسؤولية الرئيس بري، بل جميع اللبنانيين، فلماذا لا يأتون الى مجلس النواب ومعهم الترشيحات الحقيقية، وعندها لا نخرج من المجلس إلّا بعد أن ننتخب رئيساً؟ فحين تصبح هذه العملية جاهزة، لن يؤخّر بري جلسة الانتخاب دقيقةً واحدة».
وفي حين أنّ بري لا يدعو إلى جلسات انتخابية، وتقترع كتلتا «الثنائي الشيعي» بورقة بيضاء، ويتمسّك بري و»حزب الله» بترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، على رغم رفض أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين لانتخابه، إلّا أنّ مصادر قريبة من «الثنائي»، تعتبر أنّ الاقتراع بورقة بيضاء حق دستوري، فضلاً عن أنّ انتخاب فرنجية أو غيره بأقلّ من 65 صوتاً، لا يغيّر شيئاً في المعادلة الرئاسية، ولا يوصل إلى انتخاب رئيس. وترى أنّ المشكلة ليست في «أنّنا متمسّكون بفرنجية»، بل في غياب الحوار والتوافق وإعلان الترشيحات الحقيقية الجدّية.
لذلك يستمرّ بري في التواصل مع كلّ الكتل النيابية من دون استثناء. وطرحَ «النزول إلى المجلس بالمرشحين الحقيقيين، وقد يكون الأبرز على الساحة الآن اثنان أو ثلاثة... وليُنتخب أحدهم». ويدعو بري الكتل النيابية، لا سيما المسيحية منها، إلى «الاتفاق على ترشيحات جدّية، وعندها لتكن الجلسات مفتوحة». ويعتبر بري أنّ هذه الآلية تفضي إلى انتخاب رئيس، فتقوم الكتل النيابية ببذل جهدها لإقناع كتلٍ أخرى بالتصويت لمرشحها، وإذا حصل كلّ مرشح في الجلسة الأولى على 30 أو 40 أو 50 صوتاً، ستتغيّر المعادلة في الجلسات التالية، بحيث يبدأ «صبّ» الأصوات لمرشح دون آخر، وصولاً إلى انتخاب رئيس.
ويؤكد قريبون من بري أنّ أي طرف «غير متكمّش بالمرشح اللي عندو»، حتى المرشحون أنفسهم، المعلنون وغير المعلنين، ليسوا متمسّكين بترشيحاتهم إذا تأكدوا من أن لا حظوظ لانتخابهم. لكن على الرغم من أنّ بري «غير متمسّك بأحد إذا راح البلد»، إلّا أنّه حتى اللحظة لا قرار بدعم أو انتخاب مرشح غير فرنجية.
وتفسّر مصادر سياسية موقف بري، انطلاقاً من أنّ الموضوع الرئاسي لم ينضج بعد، و»أنّنا لا نزال ندور في الدوامة» نفسها. فحتى مبادرة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لم تكسر المراوحة، لأن لا اتفاق على اسم بعد. وترى هذه المصادر أنّ جنبلاط لم يتخذ قراره الرئاسي النهائي، وحين يرى أنّ هناك ترشيحاً جدّياً على «الصينية» يتخذ قراره. كذلك، إنّ انتخاب قائد الجيش المرشح غير العلني الأبرز، ليس عند بري، فليس هناك إجماع خارجي بعد على اسمه، فضلاً عن عدم تأمين النصاب اللازم لانتخابه، وعدم التوافق المسيحي على اسمه، فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يرفض انتخابه ولن يؤمّن النصاب للجلسة، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» يعتبر أنّ انتخاب قائد الجيش يتطلّب تعديلاً دستورياً، وهذا الإجراء غير متوافر.
في ظلّ هذا الواقع، لا يزال «الثنائي الشيعي» يعوّل على تحقيق تأييد نيابي أوسع لفرنجية، إذ في السياسة، «لا حيط لا يُمكن أن نمرّ منه، بل يُمكننا أن نفتح فيه باباً». وتعزّز التجربة الرئاسية السابقة بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، بعد نيله الدعم الذي كان يُعتقد أنّه مستحيل، من جعجع ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، آمال مؤيّدي فرنجية في انتخابه. ولا يزال بري مصرّاً على أنّ الحوار والتوافق في ما بين اللبنانيين هو الطريق الأقرب للرئاسة الأولى.
ويعتبر أنّ طرحه الرئاسي يتماهى مع طرح بكركي، بحيث يُعلن كلّ فريق مسيحي مرشحه، أقلّه الكتلتان المسيحيتان الرئيسيتان، أي «القوات» و»التيار». فعلى سبيل المثال، إذا اتفقوا على النزول الى مجلس النواب بالمرشحين الثلاثة: فرنجية وباسيل وقائد الجيش، فـ»أهلاً وسهلاً بالذي ينُتخب».