شرّع زلزال تركيا أبواب التساؤلات حول فوضى قطاع البناء في لبنان، إذ تحوّل بعض تجّاره إلى مهندسين لا يراعون المواصفات المطلوبة. على أعصابهم يعيش بعض سكّان منطقة النبطية. يخشون أن تكون مبانيهم من ورق، خصوصاً وأن «النشّ» والتصدّعات بدأت تظهر على جدرانها من السنة الأولى. هي مبان تجارية بكل ما للكلمة من معنى. لا تتبع معايير السلامة في منطقة تجري تحتها فوالق زلزالية معرّضة للدمار أكثر من غيرها.
معظم المباني التي شُيّدت أخيراً في لبنان، وتحديداً بعد العام 2012 غير مُقاومة للزلازل. لا التزام بتطبيق مرسوم السلامة العام الصادر عام 2005، لسبب بسيط وهو أنّ بعض تجّار البناء كانوا أكبر من المهندسين. لم يخضع القطاع للرقابة، بل سادته الفوضى طيلة السنوات الماضية.
ما يثير الريبة هو التلاعب الذي أصاب عملية البناء، والأخطر، أن الكلّ يعلم بالغش ووقف متفرجاً. يجزم الكثير من المهندسين أن العديد من المباني السكنية التجارية لا تتطابق مع السلامة العامة، بل يذهب بعضهم للقول إن التلاعب بمواد البناء قد يتسبب بكارثة عند أول هزّة قوية. في السّياق، يكشف المقاول محسن أنّ «التلاعب يبدأ من أساسات المبنى، فتجار البناء أنفسهم يُخفضُون الكمية. إذا كان العمود يحتاج مثلا إلى 10 قضبان حديد، يخفّضونها إلى 7. كما يعمدون إلى تقليل كمية الترابة المطلوبة والحديد وزيادة البودرة والرمل التي تؤثّر سلباً على المباني وتبدأ بالتشقق مع موسم الأمطار».
في زمن الفوضى، غاب المهندس وحضر التاجر. تحول «الدكنجيّ» و»الخضرجي» إلى مهندسين ومشرفين، مستفيدين من غياب رقابة البلدية والجهّات المختصّة. يقول المهندس حاتم غبريس إن «المباني التجارية بغالبيتها غير مطابقة»، مما يطرح إشكالية خطيرة: من أعطى الصلاحية لتجّار البناء؟
مع تغييب دور نقابة المهندسين عن قطاع البناء، إنحصر دور المهندس وفق غبريس بإعداد رخصة البناء فقط، ما أشاع الفوضى أكثر «فكل تاجر فاتح ع حسابو». ويشير إلى أنّ «التلاعب يتمّ في تخفيف كميات الحديد والترابة والرمل نظراً إلى ارتفاع أسعارها، وهي خطة «ذكيّة» من التجّار لتحقيق أرباح مضاعفة. أما انعكاس هذا الأمر فيقع على المواطن الذي يكون الضحيّة الأولى والأخيرة». أضاف أن «غالبية الشقق التي أصابها النش والتصدّعات قد تقع عند أوّل هزّة قويّة»، محمّلاً الجميع المسؤولية. ويقول: «الخطورة لا تقف هنا، بل إن هناك مباني عدّة قد شُيّدت فوق ينابيع مياه، وتحتاج إلى تقنية خاصة يفترض إعتمادها في أساسات المبنى. هذه المعايير غير مطبّقة على الأرض، وهذا ما نلحظه اليوم مع تسرّب المياه من بعض المباني».
اليوم، نقف عند عتبة موجة هزّات متكررة. من يُحاسب التجّار الذين فرضوا أنفسهم في زمن الأزمات؟ شهد قطاع البناء عصراً ذهبياً وأطلق عليه لقب «قطاع الذهب» نظراً للأرباح الطائلة التي حققها المستثمرون. فالشقة التي تبلغ كلفتها 25 ألف دولار كانت تباع بـ60 و70 ألفاً. أمّا الآن، فتقف الأبنية «على صوص الهزّات ونقطة» الخطر الداهم. أمام هذا الواقع المخيف، هل من يحاسب ويراقب؟ وما النفع بعد وقوع الكوارث وإزهاق الأرواح؟
رمال جوني - نداء الوطن