تغيير الشرق الأوسط!

كثرت أحاديث «تغيير الشرق الأوسط» أو إعادة تشكيله من قبل بنيامين نتنياهو، خاصة بعد الهجوم على إيران وإعلان الانتصار عليها، بعد أن جرى إزالة أو تدمير أو إضرار أو الحد من قدرة البرنامج النووى الإيرانى. شكَّل ذلك سابقة تاريخية للتعامل العنيف والحرب مع دولة موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من قبل دولة نووية بالفعل، ولا تواليها الوكالة الدولية للطاقة النووية بنوبات التفتيش.

شكَّل ذلك تراكما إقليميًا على سلسلة من الحروب التى أخذت عناوين أرقام حروب غزة؛ وجاءت حرب غزة الخامسة لكى تؤذن بإدخال أشكال جديدة من الحرب، التى ظهرت إبان الحرب العالمية الثانية إزاء اليهود، وعُرفت بـ المحرقة أو «الهولوكوست». التغيير فى الشرق الأوسط حدث عندما أصبح حال الفلسطينيين الذين عانوا منذ هجمات السابع من أكتوبر 2023 التى قامت بها «حماس» على سبيل مقاومة الاحتلال، لكى يصبح قطاع غزة ميدانًا للقتل الجماعى والتهجير القسرى والجوع والحرمان؛ بينما تجرى هجمات المستوطنين فى الضفة الغربية ضاغطة على السلطة الوطنية الفلسطينية، بقدر دفع الفلسطينيين إلى الخارج.

وبقدر ما كانت أحوال الفلسطينيين سيئة منذ حرب 1948، فإن السوء زاد سوءًا عبر السنوات، لكى يجعل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى منصبًّا على الأضعف حالًا من النساء والأطفال.

التغيير الشرق أوسطى الثانى نجم عن زلزال «الربيع العربى» من سلسلة الحروب الأهلية التى عرفتها دول عربية عديدة مثل سوريا واليمن والسودان وليبيا، حيث كان العنف والقسوة بأكثر مما كان فى أزمنة سابقة.

الغريب أن تغيرًا ثالثًا نجم عن ذلك، عندما أصبحت الحروب الأهلية والمحلية والفلسطينية الإسرائيلية حربًا إقليمية، تولدت عن انهيار «الدولة العربية الوطنية» نتيجة ازدواجية السلطة الوطنية والميليشيات المحلية التى رفعت راية «المقاومة والممانعة» واعتبارها سببًا للسيطرة على الدولة. هذه القوى العسكرية المحلية وقعت تحت تأثير التغيرات التى أفرزتها الثورة الإيرانية، التى جعلت من طهران عاصمة الثورة والتحرير. هنا تحديدًا، ومع احتدام المواجهات المحلية وشرارة الحروب الفلسطينية واللبنانية الإسرائيلية، جرت المواجهة الكبرى بين الميليشيات وإسرائيل.

هذه الحرب نجم عنها أولًا التأثير على دولة المنبع الوطنية، فلم يعد يمكن إقامة سلطة شرعية فى لبنان، وتفككت السلطة الوطنية، ومعها الميليشيات المتعددة الانقسامات فى سوريا، بينما انكسرت الوحدة اليمنية إلى ثلاث سلطات. وثانيًا أن النفوذ الإيرانى على هذه القوة من العنف الإسرائيلى، دفع فى اتجاه تجديد تكنولوجيات أسلحة المواجهات، لكى تدخلها أجيال جديدة من «الدرونز» – المسيرات – والصواريخ.

أصبح البحر الأحمر وطريق التجارة فيه مع شرق البحر المتوسط مجالًا داميا. وصول الحرب إلى البرنامج النووى الإيرانى عكس نقلة كيفية إلى مجالات جديدة تقلب كل ما فيها رأسًا على عقب. المتغير الأخير كان أنه لم توجد الكثير من الإرادة العربية، ولا الدولية، ولا الإسرائيلية بالطبع، لعكس مسار الحرب إلى طريق السلام.

المصري اليوم

يقرأون الآن