الدبلوماسية الكويتية.. ومجلس الأمن

في عام 1978 فازت الكويت في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة كعضو في مجلس الأمن لعامي 1978–1979، وبدأت كمندوب دائم، أبحث عن المناسبين من الدبلوماسين الكويتيين، وكان حظي الطيب أن التحق بالوفد في نيويورك السفير عبدالمحسن الجيعان، نبيلة الملا، وعلي الزيد المنيفي، وضرار رزوقي، حيث التحقوا بالوفد، وبدأنا العمل في مجلس الأمن، مدركين أثقال المسؤولية، وملتزمين نهج الكويت المسالم والمعتدل، وكانت التزاماتنا وفق الأصول، وأهم ما وقفنا عليه في تجربتنا هو المسؤولية الخاصة، التي تتحملها الدول الدائمة العضوية في حماية الأمن والسلم الدوليين، وقدرتها على تحمّل أعباء هذه المسؤولية، ومدى تقبلها للأثقال التي تأتي وبصورة غير متوقعة، حاملة تهديدها للأمن والاستقرار العالميين، كما سجلها التاريخ في عملية الغزو في عام 1990 لدولة الكويت، التي أبرزت التحرك السريع لمجلس الأمن، الذي تواصل في عزمه الجماعي على إفشال الغزو مهما كانت الصعوبات، مع توظيف أية وسيلة لإتمام عملية تحرير الكويت. نحن واعون لحق الدول النامية في توسيع المشاركة في مجلس الأمن بنسبة تتفق مع حجمها، وليست بالضرورة مع قدرتها، وهي مطالبة منطقية، لكنها تبقى بطيئة وثقيلة في مفاهيم التنفيذ، لاسيما وفق ميزان السرعة، التي يتطلبها مجلس الأمن في القرار وتنفيذه، لاسيما في مجال الأمن والاستقرار الخاص بحماية السلام العالمي.

من خلال تجربة الكويت في مجلس الأمن 1978–1979، أدركت أن بعض الدول الأعضاء من العالم الثالث تكتفي بالتصويت، لأنها لا تملك الإضافات، التي تتطلبها شروط تحقيق السلام العالمي مع تأكيد تواجده، فلا تملك آليات المشاركة في تنفيذ القرار، الذي يحمّل الدول أعباء سياسية، ولا تسمح لها ميزانيتها بتقبل الأعباء المالية.

أكيد أن وفد الكويت الدائم في نيويورك منغمس في هذا التوجه، خاصة أن السفير طارق البناي يلعب دور المنسق بين الوفود والمثابر في المتابعة، فهو يمثّل دولة تبنّى مجلس الأمن مأساتها، ورعى مسيرة تحريرها، بتنفيذ القرارات التي اتخذها ضد دولة العدوان، فتمت عملية التحرير وفق الإرادة العالمية. ولا تغيب عن حسابات وفد الكويت الحيوية والسرعة، اللتان كان المجلس يتبنى فيهما القرارات المناسبة لوقف العدوان، وكل ذلك لأن حجم المجلس مناسب، ليس مثقلاً بأعباء حسابات العواصم ومشاورات التجمعات والتكتلات في العواصم، ومن هذه الوقائع جاءت عملية تنفيذ إرادة المجلس في تحرير الكويت فعّالة وسريعة ومناسبة في شروطها.

لا أستطيع تصوّر شكل مجلس الأمن في حالة تبدلاته، ليصل العدد الى 21 دولة أو أكثر قليلاً، وما يجعلني متردداً في تقبل ممارسة وفد الكويت خط التغيير وتوسيع دائرة العضوية، لتنضم إليها لائحة جديدة من الدول، معظمها من الدول النامية المشغولة بالعجز المالي والاضطراب الاقتصادي، وبعضها فوق ذلك تعاني من فوضوية الوضع الداخلي. مرّت علينا، عندما كنا أعضاء في مجلس الأمن، مواقف غير متوقعة، تدعو للتريث على التصديق أو تبديل بعض العبارات، لأنها تثير دولة يحرص العضو المتردد على الابتعاد عن إزعاجها، لأن دورها مؤثر في الدعم الاقتصادي لدولته. كانت الحالات التي تسبب الاختلاف في المواقف تظهر عند تصويت المجلس على قرار يؤذي سمعة دولة ما أو أكثر من دولة. فأتذكر أن صديقي من بنغلادش لا يريد الانضمام الى مجموعة عدم الانحياز داخل المجلس، وعددها سبعة أعضاء، تشارك في مشاورات بينها حول المواقف وحول مشروع القرار، أتذكر بعض المواقف، وأتصور حجم التردد ونوعية الصيغ والمفردات، التي سيوظفها المجلس عند زيادة الأعداد فوق العشرين، وما يسببه من تباين بين دول العالم الثالث.

هل إتمام اتساع مجلس الأمن بزيادة الأعداد يتلاءم مع مصالح الكويت؟ وهل ستكون لمجلس الأمن القدرة على تحقيق الإجماع أو الأغلبية المطلوبة لتنفيذ القرار؟ علينا أن نتذكر أن مجلس الأمن ملتزم الحفاظ على سيادة الكويت واستقلالها وواقع حدودها، هكذا تنص القرارات التي اتخذها المجلس لصد الغزو وهزيمته، وتأمين عدم تكراره، فهذه الحماية مستمرة وتظل فعالة، سواء ظل المجلس وفق تركيبته الحالية أو تعرّض للتبديل، فإن الالتزام السياسي والقانوني، والصادر من مسؤولية المجلس في تعظيم البنية العالمية، لتأكيد الأمن والاستقرار، ومعناه زيادة عدد الأعضاء في مجلس الأمن.

الكويت دولة تعيش في إقليم مضطرب، تولد من أنظمة راديكالية، فرضت وجودها بالقوة، وحافظت على استمرارها بواسطة أجهزة أمنية وأنظمة تواصل مسيرتها بالعنف واضطهاد من يخالف، وتؤمّن بقاءها ليس بالتوافق وإنما بالردع المتوحش، ونحن في الكويت لنا تجربة مريرة، احتل بلدنا أشدّ السفاحين وحشية وأقبح نظام، مسؤولياتنا مهما تنوعت هي لتحقيق الأمن الدائم للوطن، ندافع عنه ونلتزم به وفق القرارات التي تبناها مجلس الأمن لتحرير الكويت، وهي قرارات ثابتة ودائمة، تراقب ما يدور بين الكويت وجارها العراق، من أجل الحفاظ على واقع الاستقرار والأمن بين البلدين، وفق ما حددته هذه القرارات، التي أنجبت التحرير الكامل.

نعرف أن التبدلات التي تمس وثائق الأمم المتحدة، وخاصة التي تمس ميثاقها، تتطلب وقتاً طويلاً، ففي خطواتها الأولى لابد من أن يقتنع الجميع، خاصة الدول الخمس الدائمة بفوائد هذه التعديلات وضروراتها وتوقيتها، وهي لا تمس الصلاحية أو المقام لهذه الدول، ولا تجامل الأغلبية المنادية بالتغيير على حساب الأقلية، التي تضم الدول الخمس ومصالحها، وأهم شيء حقوقها كما يسجلها الميثاق. ونعلم من التجربة أن الجهود ستتواصل، ولن يتم التوافق في المستقبل القريب، فكل شيء في الأمم المتحدة يحتاج الوقت الطويل، الذي يوفر للدول الأعضاء هضم هذه التبدلات وتأثيرها على الدول، لا سيما أصحاب الامتيازات الدائمة. فالتجديد بطيء في مبنى الأمم المتحدة، وتحقيق القناعة الجماعية للدول الكبرى والدول صاحبة الطموح يحتاج الى صبر أيوب، كما نعرف ذلك من سلوك وسيرة التبدلات داخل الأمم المتحدة. فمن المناسب أن نتمعن في ما يمكن أن يحدث لو تحقق ما تريده دول عدم الانحياز، وما هي أبعاده على واقع التزام مجلس الأمن بقراراته، التي اتخذها لتحرير الكويت من جريمة الغزو، وأستطيع أن أشير الى حالة البطء الذي تسير فيه المنظمة في مجرى التعديلات، بأن ما تريده مجموعة عدم الانحياز لن يتحقق خلال السنوات القريبة المقبلة، وستبقى جهود التغيير مستمرة حتى تقتنع الدول المتميزة بالمكانة، التي يسندها الفيتو المعطل لما تريده الأغلبية، بضرورات هذا التغيير.

القبس

يقرأون الآن